قلب حدقته إلى الشيء ينظر إليه.
﴿وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ حال من فاعل ينظرون، أي : والحال إنهم غير قادرين على الأبصار وهو بيان عجزهم عن الإبصار بعد بيان عجزهم عن السمع وقيل ضمير الفاعل في تراهم لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وضمير المفعول للمشركين على أن التعليل قد تم عند قوله تعالى :﴿لا يَسْمَعُوا﴾ أي : وترى المشركين يا محمد ينظرون إليك بأعينهم وهم لا يبصرونك ببصائرهم أي كما أنت عليه فهم غائبون عنك في الحقيقة إلا أن يقروا بالتوحيد وصدق الرسالة.
ذكر أن السطر الأول من خاتم سليمان عليه الصلاة والسلام كان بسم الله الرحمن الرحيم.
والسطر الثاني : لا إله إلا الله.
والسطر الثالث محمد رسول الله فلما أدخله جبريل في أصبعه لم يقدر أصحابه أن يروه فتضرعوا فقال قولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله فلما قالوه رأوه.
وسره أنه أحاطه المهابة فلما اشتغلوا بالتوحيد حصل لهم الاستعداد والقدرة.
وحكى أن السلطان محمود الغازي دخل على الشيخ الرباني أبي الحسن الخرقاني قدس سره لزيارته وجلس ساعة ثم قال يا شيخ ما تقول في حق أبي يزيد البسطامي فقال الشيخ هو رجل من رآه اهتدى واتصل بسعادة لا تخفى فقال محمود وكيف ذلك وأبو جهل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يتصل بالسعادة ولم يتخلص من الشقاوة، فقال الشيخ في جوابه إن أبا جهل ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإنما رأى محمد بن عبد الله يتيم أبي طالب حتى لو كان رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم لخرج من الشقاوة ودخل في السعادة ثم قال الشيخ ومصداق ذلك قول الله تعالى :﴿وَتَرَاـاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ فالنظر بعين الرأس لا يوجب هذه السعادة بل النظر بعين السر والقلب يورث ذلك فمن رأى أبا يزيد بهذه العين فاز بالسعادة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٥
براى ديدن روى تو شم ديكرم باشد
كه اين شم كه من دارم جمالت را نمى شايد
وفي الحديث :"طوبى لمن رآني، ولمن رأى من رآني، ولمن رأى من رأى من رآني، ولمن رأى من رأى من رأى من رآني" كما في "الرسالة العلية" للكاشفي.
وفي "المثنوي" :
كفت طوبى من رآني مصطفى
والذي يبصر لمن وجهي رأى
ون راغى نور شمعي راكشيد
هركه ديد آنرا يقين آن شمع ديد
همنين تاصد راغ ازنقل شد
ديدن آخر لقاى اصل شد
خواه نور از واسين بستان بجان
هي فرقى نيست خواه ازشمع دان
وظهر من هنا أن رؤية الأولياء أيضاً إنما تفيد إذا كانت بالبصيرة ثم إن الرؤية تتناول ما في اليقظة وما في المنام قال بعضهم في قوله عليه السلام :"من رآني فقد رأى الحق" من رآني مطلقاً أي : سواء كانت الرؤية في اليقظة أو في المنام فقد رأى الرسول الحق.
وقال بعضهم من رآني في المنام فقد رأى الرؤيا الصادقة لا الرؤيا التي يلعب بها الشيطان.
قال الشيخ الأكمل في "شرح المشارق" : المنام الحق هو الذي يريه الملك الموكل على الرؤيا فإن الله تعالى قد وكل بالرؤيا ملكاً يضرب من الحكمة والأمثال، وقد اطلعه الله سبحانه على قصص ولد آدم من اللوح المحفوظ فهو ينسخ منها ويضرب لكل قصة مثلاً، فإذا نام يمثل له تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون بشارة له أو نذارة أو معاتبة ليكونوا على بصيرة من أمرهم كذا قيل
٢٩٧
انتهى.
واعلم : أن جميع الأنبياء معصومون من أن يظهر شيطان بصورهم في النوم واليقظة لئلا يشتبه الحق بالباطل.
يقول الفقير : أصلحه الله القدير سمعت من حضرة شيخي المتفرد في زمانه بعلمه وعرفانه أن الشيطان لا يتمثل أيضاً بصور الكمل من الأولياء الكرام كقطب الوجود في كل عصر فإنه مظهر تام للهدى سار في سره سر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلّم تسليماً كثيراً.
فعلى العاقل أن يترك القيل والقال ويدع الاعتراض بالمقال والحال ويستسلم لأمر الله الملك المتعال إلى أن يبلغ مبلغ الرجال، ويتخلص من مكر الشيطان البعيد عن ساحة العز والإجلال ويكون هادياً بعد كونه مهدياً إن كان ذلك أمراً مقضياً اللهم اهدنا إلى رؤية الحق وأرنا الأشياء كما هي وخلصنا من الإشغال بالمناهي والملاهي إنك أنت الجواد لكل صنف من العباد منك المبدأ وإليك المعاد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٥
﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾.
روي أنه صلى الله عليه وسلّم سأل جبريل "ما الأخذ بالعفو" فقال : لا أدري حتى أسأل؟ ثم رجع فقال يا محمد إن ربك أمرك أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك وأن تحسن إلى من أساء إليك".
هركه زهرت دهد بدوده قند
وآنكه ازتو برد بدويوند
والعفو من أخلاقه تعالى.


الصفحة التالية
Icon