قال بعضهم قد يلبس الشيطان ويري الباطل في صورة الحق فأجمع المشايخ على أن ما كان قوته من الحرام لا يفرق بين الخواطر الملكية والشيطانية بل منهم من قال من كان قوته غير معلوم لا يفرق بينهما.
وفي "المثنوي" :
طفل جان ازشير شيطان بازكن
بعد ازانش باملك انباز كن
تاتو تارك وملول وتيره
دانكه باديو لعين همشيره
لقمه كان نور افزود وكمال
آن بود آورده از كسب حلال
ون زلقمه توحسد بيني ودام
جهل وغفلت زايد آنرادان حرام
زابد ازلقمه حلال اندر دهان
ميل خدمت عزم رفتن آن جهان
قال حضرة شيخنا الفريد أمده الله بالمزيد في كتاب "اللائحات البرقيات" : الملك الموكل بأمر الله على قلوب أهل الحق يلقي إليهم الحق دائماً فإذا مسهم طائف من الشيطان فيذكرهم بذلك الطائف الشيطاني فهم يتذكرون ويبصرون ويمحون والشيطان المتسلط بخذلان الله على صدور أهل الباطل يلقي إليهم الباطل دائماً فإذا مسهم طائف من الرحمن فينسيهم ذلك فهم لا يتذكرون ولا يبصرون ولا يمحون فالشان الرحماني دائماً إراءة الحق حقاً والباطل باطلاً والشان الشيطاني إراءة الحق باطلاً والباطل حقاً وهذا هو السر والحكمة في كون عباد الرحمن هادين ومهديين وعباد الشيطان ضالين ومضلين لأن الإراءة الأولى هي الهداية بعينها والثانية هي الإضلال بعينه والإضلال لا بد من أنه يستلزم الضلال كما أن الهداية لا بد من أنها تستلزم الاهتداء انتهى كلامه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٨
قال في "التأويلات النجمية" :﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ هم أرباب القلوب والتقوى من شان القلب كما قال عليه الصلاة والسلام :"التقوى ههنا" وأشار إلى صدره والتقوى نور يبصرون به الحق حقاً والباطل باطلاً فلذا قال :﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائفٌ مِّنَ الشَّيْطَـانِ﴾ أي : إذا طاف حول القلب التقي النقي نوع طيف من عمل الشيطان يراه القلب بنور التقوى ويعرفه فيتذكر أنه يفسده ويكدر صفاءه ويقسيه فيجتنبه ويحترز منه فذلك قوله :﴿تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِى الْغَىِّ﴾ يعني النفوس إخوان القلب فإن النفس والقلب توءمان ولدا من ازدواج الروح والقالب فالقلب يمد النفس في الطاعة ولولا ذلك ما صدر من القلب معصية لأنه جبل على الاطمئنان بذكر الله وطاعته.
﴿ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ﴾ لا يسأم كل واحد منهما من فعله ولا يدع ما جبل عليه لئلا يأمن أرباب القلوب من كيد النفوس أبداً ولا يقنط أرباب النفوس المسرفين على أنفسهم من رحمة الله من إصلاح أحوال قلوبهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٨
﴿وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم﴾ أي : أهل مكة.
﴿بِـاَايَةٍ﴾ من القرآن عند تراخي الوحي أو بآية مما اقترحوه، كقولهم أحي لنا فلاناً الميت يكلمنا ويصدقك فيما تدعونا إليه ونحو ذلك.
﴿قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا﴾ اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه، أي : جمعه.
فالمعنى هلاّ جمعتها من تلقاء نفسك تقوّلاً كسائر ما تقرأه من القرآن فإنهم يقولون كله إفك أو هلا ميزتها واصطفيتها عن سائر مهماتك وطلبتها من الله
٣٠١
تعالى فيكون الاجتباء بمعنى الاصطفاء.
﴿قُلْ﴾ رداً عليهم.
﴿إِنَّمَآ أَتَّبِعُ﴾ أي : ما أفعل إلا اتباع ﴿مَا يُوحَى إِلَىَّ مِن رَّبِّى﴾ لست بمختلق للآيات ولست بمقترح لها ﴿هَـاذَآ﴾ القرآن ﴿بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ﴾ بمنزلة البصائر للقلوب بها تبصر الحق وتدرك الصواب أخبر عن المفرد بالجمع لاشتماله على سور وآيات.
﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ؛ إذ هم المقتبسون من أنواره والمغتنمون من آثاره والجملة من تمام القول المأمور به.
وفي الآية : إشارة إلى أنه كما أن النبي يتبع الوحي الإلهي كذلك الولي يتبع الإلهام الرباني فلا قدرة على تزكية النفوس إلا بالوحي والإلهام وأيضاً لو لم يتبع الهدى لكان أهل هوى غير صالح للإرشاد وخائناً والخائن لا يكون أميناً على أسرار النبوة والولاية.