وعن بعض أهل العلم قال : كنت بالمصطبة وإذا برجلين يتكلمان في الخلوة مع الله تعالى فلما أراد أن ينصرفا قال أحدهما للآخر تعال نجعل لهذا العلم ثمرة ولا يكون حجة علينا فقال له اعزم على ما شئت فقال عزمت على أن لا آكل ما للمخلوق فيه صنع قال فتبعتهما فقلت أنا معكما فقالا على الشرط قلت على أي شرط شرطتما فصعدا جبل لكام ودلاني على كهف وقالا تعبد فيه فدخلت فيه وجعل كل واحد منهما يأتيني بما قسم الله تعالى وبقيت مدة ثم قلت إلى متى أقيم ههنا أسير إلى طرطوس وآكل من الحلال وأعلم الناس العلم وأقرأ القرآن فخرجت ودخلت طرسوس وأقمت بها سنة وإذا أنا برجل منهما قد وقف عليّ وقال يا فلان خنت في عهدك ونقضت الميثاق أما إنك لو صبرت كما صبرنا لوهب لك ما وهب لنا قلت ما الذي وهب لكما قال ثلاثة أشياء طي الأرض من المشرق إلى المغرب بقدم واحد والمشي على الماء والحجبة إذا شئنا ثم احتجب عني فقلت بالذي وهب لكما هذا الحال ألا ما ظهرت لي فقد شويت قلبي فظهر وقال سل فقلت هل لي إلى ذلك الحال عودة فقال هيهات لا يؤمن الخائن.
قال الحافظ :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠١
وفامجوى زكس ورسخن نمى شنوى
بهرزه طالب سيمرغ وكيميا ميباش
وفي الحكاية إشارة إلى أن الله تعالى يمن على من يشاء.
حكي أن الشيخ جوهر المدفون في عدن كان مملوكاً فعتق وكان يبيع ويشتري في السوق ويحضر مجالس الفقراء ويعتقدهم وهو أمي فلما حضرت وفاة الشيخ الكبير سعد الحداد المدفون في عدن، قالت له الفقراء : من يكون الشيخ بعدك، قال الذي يقع على رأسه الطائر الأخضر في اليوم الثالث من موتي عند ما يجتمع الفقراء فلما توفي اجتمع الفقراء عند قبره ثلاثة أيام فلما كان اليوم الثالث وفرغوا من الذكر والقرآن قعدوا ينتظرون ما وعدهم الشيخ، وإذا بطائر أخضر وقع قريباً منه فبقي كل واحد من كبار الفقراء يترجى ذلك ويتمناه فبينما هم كذلك إذا بالطائر قد طار ووقع على رأس الشيخ جوهر ولم يكن يخطر له ولا لأحد من الفقراء ذلك فقام إليه الفقراء ليزفوه إلى زاوية الشيخ وينزلوه منزلة الشميخة فبكى، وقال كيف أصلح للمشيخة وأنا رجل سوقي وأنا لا أعرف طريق الفقراء وآدابهم وعلي تبعات وبيني وبين الناس معاملات فقالوا له هذا أمر سماوي ولا بد لك منه والله يتولى تعليمك فقال أمهلوني حتى أمضي إلى السوق وأبرأ من حقوق الخلق فأمهلوه فذهب إلى دكانه ووفى كل ذي حق حقه، ثم ترك السوق ولزم الزاوية ولازمه الفقراء فصار جوهراً كاسمه.
قال الحافظ :
٣٠٢
طالب لعل وكهر نيست وكرنه خورشيد
همنان در عمل معدن وكانست كه بود
وقال :
كوهر اك ببايد كه شود قابل فيض
ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود
ولما عظم سبحانه وتعالى شأن القرآن.
بقوله :﴿هَـاذَا بَصَائرُ لِلنَّاسِ﴾ (الجاثية : ٢٠) أردفه بقوله :
﴿وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْءَانُ﴾ الذي ذكرت شؤونه العظيمة.
﴿فَاسْتَمِعُوا لَه﴾ استماع قبول وعمل بما فيه فإن شأنه يوجب الاستماع مطلقاً ولما في الافتعال من التصرف والسعي والاعتمال في ذلك الفعل فرقوا بين المستمع والسامع بأن المستمع من كان قاصداً للسماع مصغياً إليه والسامع من اتفق سماعه من غير قصد إليه فكل مستمع سامع من غير عكس.
﴿وَأَنصِتُوا﴾ أي : واسكتوا في خلال القراءة وراعوها إلى انقضائها تعظيماً له وتكميلاً للاستماع والفرق بين الإنصات والسكوت أن الإنصات مأخوذ في مفهومه الاستماع والسكوت فلا يقتصر في معناه على السكوت بخلاف السكوت ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي : تفوزون بالرحمة التي هي أقصى ثمراته.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠١
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان المسلمون قبل نزول هذه الآية يتكلمون في الصلاة ويأمرون بحوائجهم ويأتي الرجل الجماعة وهم يصلون فيسألهم كم صليتم وكم بقي فيقولون كذا فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمرهم بالإنصات عند الصلاة بقراءة القرآن لكونها أعظم أركانها.
استدل الإمام أبو حنيفة بهذه الآية على أن إنصات المقتدي واجب وأن قراءة الإمام قراءة المأموم فلا يقرأ خلف الإمام سواء أسر الإمام أم جهر لأنه تعالى أوجب عليه أمرين الاستماع والإنصات فإذا فات الاستماع بقي الإنصات واجباً.
وجه الاستدلال أن المراد بالإنصات المأمور به وإن كان هو النهي عن الكلام لا عن القراءة لكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب على أن جماعة من المفسرين قالوا إن الآية نزلت في الصلاة خاصة حين كانوا يقرؤون القرآن خلفه عليه السلام وجعله الحدادي في "تفسيره" أصح.
قال في "الأشباه" أسقط أبو حنيفة القراءة عن المأموم بل منعه منها شفعة على الإمام دفعاً للتخليط عليه كما يشاهد بالجامع الأزهر انتهى فقراءة المأموم مكروهة كراهة التحريم وهو الأصح كما في "شرح المجمع" لابن ملك.


الصفحة التالية
Icon