قال علي رضي الله عنه : من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة، أي السنة.
يحكى أن جماعة من أهل السنة جاؤوا إلى أبي حنيفة رضي الله عنه ليناظروه في القراءة خلف الإمام ويبكتوه ويشنعوا عليه فقال لهم لا يمكنني مناظرة الجميع ففوضوا أمر المناظرة إلى أعلمكم لأناظره فأشاروا إلى واحد فقال هذا أعلمكم فقالوا نعم قال والمناظرة معه مناظرة لكم قالوا نعم قال والإلزام عليه كالإلزام عليكم قالوا : نعم قال وإن ناظرته وألزمته الحجة فقد لزمتكم الحجة قالوا : نعم قال : وكيف قالوا : لأنا رضينا به إماماً فكان قوله قولنا فقال أبو حنيفة فنحن لما اخترنا الإمام في الصلاة كانت قراءته قراءة لنا وهو ينوب عنا فأقروا له بالإلزام.
قال الفقهاء : المطلوب من القراءة التدبر والتفكر والعمل به ولا يحصل ذلك إلا بالاستماع والإنصات فيجب على المؤتم ذلك وهو كالخطبة يوم الجمعة لما شرعت وعظاً وتذكيراً وجب الاستماع ليحصل فائدتها لا أن يخطب كل لنفسه بخلاف سائر الأركان لأنها شرعت للخشوع ولا يحصل لهم
٣٠٣
الخشوع إلا بالسجود معه والركوع.
اعلم : أن ظهر النظم الكريم يقتضي وجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وعامة العلماء على استحبابها خارج الصلاة كما في التفاسير.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠١
قال الحدادي : ولا يجب على القوم الإنصات لقراءة كل من يقرأ في غير الصلاة.
وقال الحلبي : رجل يكتب الفقه وبجنبه رجل يقرأ القرآن ولا يمكن للكاتب الاستماع فالإثم على القارىء لقراءته جهراً في مواضع اشتغال الناس بأعمالهم وعلى هذا لو قرأ على السطح في الليل جهراً والناس نيام يأثم كذا في "الخلاصة".
صبي يقرأ في البيت وأهله مشغولون بالعمل يعذرون في ترك الاستماع إن افتتحوا العمل قبل القراءة وإلا فلا.
وكذا قراءة الفقه عند قراءة القرآن ولو كان القارىء في المكتب واحداً يجب على المارين الاستماع وإن أكثر ويقع الخلل في الاستماع لا يجب عليهم.
ويكره للقوم أن يقرؤوا القرآن جملة لتضمنها ترك الاستماع والإنصات.
وقيل : لا بأس به والأصل فيه أن الإنصات والاستماع للقرآن فرض كفاية على ما حققه الحلبي في "الشرح الكبير".
قال في "القنية" : ولا بأس باجتماعهم على قراءة الإخلاص جهراً عند ختم القرآن ولو قرأ واحد واستمع الباقون فهو أولى.
ورجل يكتب من الفقه أو يكرر منه وغيره يقرأ القرآن لا يلزمه الاستماع لأن النبي عليه السلام دخل على أصحابه وهم في المسجد حلقتان حلقة في مذاكرة الفقه وحلقة في قراءة القرآن وجلس في حلقة مذاكرة الفقه ولو لزم الاستماع لما فعل ذلك وفيه إشارة فضيلة الفقه ومذاكرته.
علم دين فقهست وتفسير وحديث
هركه خواند غيرازين كردد خبيث
قال في "نصاب الاحتساب" : قراءة القرآن في القبور تكره عند أبي حنيفة وعند محمد لا تكره ومشايخنا أخذوا بقول محمد لكن لا يقرأ جهراً إذا كان أهل المصيبة مشتغلين بالناس فإن القراءة جهراً عند قوم مشاغيل مكروهة.
ثم اعلم أنه يدخل في الآية الخطبة لأنها ملتبسة بقراءة القرآن فنعمل بظاهره في حق قراءة القرآن وفي حق الخطبة بطريق الاحتياط إثباتاً للحرمة بدليل فيه شبهة فيسمع الخطبة وينصت وإن صلى الخطيب على النبي صلى الله عليه وسلّم لأن ذلك جزء من الخطبة فنعمل فيه ما نعمل في الباقي إلا إذا قرأ صلوا عليه فيصلي المستمع سراً أي في نفسه وقلبه ولا يحرك لسانه لأنه توجه عليه أمران صلوا عليه وقوله أنصتوا فيصلي في نفسه وينصت بلسانه حتى يكون آتياً بهما.
واختلفوا في البعيد عن المنبر والأحوط السكوت إقامة لفرض الإنصات وإن تعذر الاستماع ولأن فيه تشبهاً بالمستمعين ولأن صوت كلامه قد يبلغ الصفوف التي أمامه فيشغلهم ويمنعهم عن استماع الخطبة.
قال في "التتارخانية" : إذا شرع الخطيب في الدعاء لا يجوز للقوم رفع الأيادي ولا أن يكون بلسانه وكذا الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام باللسان جهراً فإن فعلوا أثموا ويجوز بالقلب ويجب على العلماء منعهم فإن لم يمنعوا أثموا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠١
وقال في "نصاب الاحتساب" : ولا يتكلم حال الخطبة وإن كان أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر ولو لم يتكلم لكن أشار بيده أو بعينه حين رأى منكراً الصحيح أنه لا بأس به وفي الحديث :"إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت" أي : تكلمت بما لا ينبغي.
قال النووي : فيه نهي عن جميع أنواع الكلام لأن قوله أنصت إذا كان لغواً مع أنه أمر
٣٠٤


الصفحة التالية
Icon