بمعروف فغيره من الكلام أولى وإنما طريق النهي هنا الإنكار بالإشارة.
وفي قوله والإمام يخطب إشعار بأن هذا النهي إنما هو في حال الخطبة وهو مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يجب الإنصات بخروج الإمام لقوله عليه السلام :"إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام" أي مطلقاً سواء خطب أو لم يخطب والترجيح للمحرم وقال لا بأس بالكلام إذا خرج الإمام قبل أن يخطب وإذا فرغ قبل أن يشتغل بالصلاة لأن التكلم بما لا إثم فيه إنما كره للاستماع إذ الكلام يخل بفرض استماعها ليقصر على حال الخطبة إذ لا استماع قبلها وبعدها.
وفي "القنية" الكلام في خطبة العيدين غير مكروه لأن خطبة العيدين سنة فخطبة الجمعة شرط لصحة الصلاة بخلاف خطبة العيدين لقوله عليه السلام :"يوم العيد من شاء منكم أن يخرج فليخرج" والحاصل أنه إذا خرج الامام حرم كلام الناس والنافلة أما الفائتة فلا كراهة في قضائها وقت الخطبة نص عليه في "النهاية" وكذا التسبيح ونحوه جائز بالاتفاق.
قال في "الأشباه" : خرج الخطيب بعد شروعه متنفلاً قطع على رأس الركعتين يعني إن صلى ركعة ضم إليها أخرى وسلم كما في "الكافي" وإن كان شرع في الشفع الثاني أتمه كما في "الاختيار" ولو كان شرع في سنة الجمعة يتمها أربعاً على الصحيح كما في "الأشباه" وغيره وعبارة الخروج واردة على عادة العرب لأنهم يتخذون للإمام مكاناً خالياً تعظيماً لشأنه فيخرج منه حين أراد الصعود إلى المنبر وأما القاطع عن الصلاة والكلام في ديارنا فهو قيام الإمام للصعود.
قال في "التأويلات النجمية" : الإنصات شرط في حسن الاستماع وحسن الإستماع شرط في الإسماع والإشارة ﴿أَنصِتُوا﴾ بألسنتكم الظاهرة لتستمعوا له بآذانكم الظاهرة وأنصتوا بألسنتكم الباطنة لتستمعوا بأذانكم الباطنة ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ بالاستماع بالسمع الحقيقي وهو قوله :"كنت له سمعاً فبي يسمع" فمن سمع القرآن بسمع بارئه فقد سمع من قارئه وهذا سر ﴿الرَّحْمَـانُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ﴾ (الرحمن : ١، ٢).
قال المولى الجامي مربنده سنائي غزنوى است :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠١
عجب نبودكه ازقر آن نصيبت نيست جز حرفي
كه ازخرشيد جز كرمى نبيند شم نابينا
﴿وَاذْكُرْ﴾ يا محمد.
﴿رَبَّكَ﴾ ويجوز أن يكون المراد جميع الخلق والذكر طرد الغفلة ولذا لا يكون في الجنة لأنها مقام الحضور الدائم.
﴿فِى نَفْسِكَ﴾ وهو الذكر بالكلام الخفي فإن الإخفاء أدخل في الإخلاص وأقرب من الإجابة وهذا الذكر يعم الأذكار كلها من القراءة والدعاء وغيرها كما قال في "الأسرار المحمدية" ليس فضل الذكر منحصراً في التهليل والتسبيح والتكبير والدعاء بل كل مطيعفي عمل فهو ذاكر.
﴿تَضَرُّعًا﴾ مصدر واقع موقع الحال من فاعل اذكر أي متضرعاً ومتذللاً.
والضراعة الخضوع والذل والاستكانة يقال تضرع إلى الله أي ابتهل وتذلل والابتهال الاجتهاد في الدعاء وإخلاصه.
قال بعض العارفين، بالله : الصلاة أفضل الحركات، والصوم أفضل السكنات، والتضرع في هياكل العبادات يحل ما عقدته الأفلاك الدائرات.
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه
من فضل جودك ما علمتني الطلبا ﴿وَخِيفَةً﴾ بكسر الخاء أصلها خوفة قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها أي وحال كونك خائفاً.
قال ابن الشيخ : وهذا الخوف يتناول خوف التقصير في الأعمال وخوف الخاتمة
٣٠٥
وخوف السابقة فإن ما يكون في الخاتمة ليس إلا ما سبق به الحكم في الفاتحة ولذلك قال عليه السلام :"جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة" انتهى.
يقول الفقير : هذا بالنسبة إلى أن يكون المراد بالخطاب في الآية هو الأمة وإلا فالأنبياء بل وكمل الأولياء آمنون به من خوف الخاتمة والفاتحة نعم لهم خوف لكن من نوع آخر يناسب مقامهم ولما كان أكمل أحوال الإنسان أن يظهر عزة ربوبية الله وذلة عبودية نفسه أمر الله بالذكر ليتم المقصود الأول وقيده بالتضرع والخيفة ليتم المقصود الثاني.
اي خنك آنراكه ذلت نفسه
واي آنكسى راكه بردى رفسه
﴿وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ صفة لمحذوف هو الحال أي ومتكلماً كلاماً هو دون الجهر فإنه أقرب إلى حسن التفكر فمن أمّ في صلاة الجهر ينبغي له أن لا يجهر جهراً شديداً بل يقتصر على قدر ما يسمعه من خلفه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠١