يقول الفقير : فيه إشارة إلى أن الشيطان إنما أبى عن السجود لاستكباره فكل من استكبر عنه كالكفار كان الشيطان قرينه في جميع أحواله وكل من تواضع فسجد كالمؤمنين اعتزل عنه الشيطان في تلك الحال لا في جميع الأحوال إلا أن يزكي نفسه عن رذيلة الكبر فحينئذٍ يتخلص في جميع أحواله ويكون من العباد المخلصين :
زينت تو س كمر بند كى
تاج تودر سجده سر افكند كى
شرم توبادا كه ببالاو بست
سجده طاعت بردش هره هست
توكنى از سجده او سر كشى
به كه ازين شيوه قدم در كشى
(وحشرت شيخ الإسلام قدس سره فرموده سرى كه دروسجودي نيست سفه به ازدست وكفى كه دروجودى نيست كفه به ازدست) ونعم ما قال :
شرف نفس بجودست وكرامت بسجود
هركه اين هردوندارد عدمش به زوجود
قال في "التأويلات النجمة" :﴿إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ﴾ يعني : الذين أفنوا أفعالهم وأخلاقهم وذواتهم في أوامر الله وأخلاقه وذاته فما بقوا عند أنفسهم وإنما بقوا ببقاء الله عنده.
﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ لأن الاستكبار من أخلاقهم وقد أفنوها في أخلاقه فما بقي لهم الاستكبار فكيف يستكبرون عن عبادته وقد أفنوا أفعاله في أوامر الله وهي عبادته فأعمالهم قائمة بالعبادة لا بالفعل وهم في حال الفناء عن أنفسهم والبقاء بالله.
﴿وَيُسَبِّحُونَهُ﴾ أي : ينزهونه عن الحلول والاتصال والاتحاد وعن أن يكون هو العبد والعبد إياه بل هو هو كما كان في الأزل لم يكن شيئاً مذكوراً.
﴿وَلَه يَسْجُدُونَ﴾ في الوجود والعدم من الأزل والأبد سجدوا له من الأزل في العدم منقادين مسخرين قابلين لأحكام القدرة في الإيجاد للوجود وسجدوا له إلى الأبد في الوجود ببذل الموجود منقادين مسخرين قابلين لأحكام القدرة في تصاريف الإعدام والإيجاد والإبقاء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠١
تمت سورة الأعراف بالرحم والراف مع ما يتعلق بها من التفسير والتأويل على وجه عديل سويّ من غير تطويل وذلك في العشر الأول من صفر الخير المنتظم في سلك شهور سنة إحدى ومائة وألف من هجرة من له العز والشرف ويتلوها سورة الأنفال وقد حان الاغتنام بغنائمها بعون الله الملك العزيز القوي المتعال.
٣١٠
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠١
سورة الأنفال
مدنية وآيها ست وسبعون وقيل مكية
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٠
﴿يَسْاَلُونَكَ عَنِ الانفَالِ﴾ أي : عن حكم الغنائم فالسؤال استفتائي، ولهذا عُدَّي بكلمة عن لا استعطائي، كما يقال سألته درهماً لأن السؤال قد يكون لاقتضاء معنى في نفس المسؤول فيتعدى ؛ إذ ذاك بعن كما قال :
سلي إن جهلت الناس عني وعنهمو
وقد يكون لاقتضاء مال ونحوه فيتعدى ؛ إذ ذاك إلى المفعولين كالمثال المذكور.
والنفل الزيادة وسميت الغنيمة به ؛ لأنها عطية من الله زائدة على ما هو الأجر في الجهاد من الثواب الأخروي وعلى ما أعطاه لسائر الأمم حيث لم يحل لهم الغنائم وكانت تنزل نار من السماء فتأكلها، والنافلة من الصلاة : ما زاد على الفرض ويقال لولد الولد نافلة لأنه زيادة على الولد ويطلق على ما يشرطه الإمام لمقتحم خطر عطية له وزيادة على سهمه من الغنم.
روي أن المسلمين اختلفوا في غنائم بدر وفي قسمتها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كيف تقسم وإلى أين تصرف ومن الذين يتولون قسمتها أهم المهاجرون أم الأنصار أم هم جميعاً فنزلت فضمير يسألون لأصحاب بدر لتعينهم حال نزول الآية فلا حاجة إلى سبق الذكر صريحاً.
والمعنى يستفتونك في حكم الأنفال.
﴿قُلِ الانفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ أي : أمرها وحكمها مختص به تعالى يقسمها الرسول كيفما أمر به من غير أن يدخل فيه رأي أحد.
قال الحدادي : إضافة الغنائم إلى الله على جهة التشريف لها وإضافتها إلى الرسول لأنه كان بيان حكمها وتدبيرها إليه.
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي : إذا كان أمر الغنائمورسوله فاتقوا الله تعالى واجتنبوا ما كنتم فيه من المشاجرة فيها والاختلاف الموجب لسخطه تعالى.
﴿وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ ذات البين هي الأحوال التي تقع بين الناس كما ذات الصدور هي المضمرات الكائنة فيها وذات الإناء هي ما حل فيه من الطعام والشراب، ولما كان ما حل في الشيء ملابساً له قيل إنه صاحب محله وذوه، مثل أن يقال : اسقني ذا إنائك، أي الماء الذي فيه أي واصلحوا ما بينكم من الأحوال بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله تعالى وتفضل به عليكم وذلك لأن المقاتلة قالوا لنا الغنائم وأرادوا أن لا يواسوا الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١١


الصفحة التالية
Icon