قال عبادة بن الصامت : نزلت فينا معشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله لرسوله فقسمه بين المسلمين على السواء.
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ بتسليم أمره ونهيه.
﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ متعلق بالأوامر الثلاثة، والمراد بالإيمان كماله فإن أصل الإيمان لا يتوقف على التحلي بمجموع تلك الأمور كلها، بل يتحقق بمجرد الطاعة بقبول ما حكم الله ورسوله به والاعتقاد بحقيته، والمعنى : إن كنتم كاملي الإيمان فإن كمال الإيمان يدور على هذه الخصال الثلاث.
واعلم : أن كثرة السؤال توجب الملال ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، والمنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" ففي الحديث فوائد.
منها النهي عن عقوق الوالدين لأنه من الكبائر وإنما اقتصر على الأم اكتفاء بذكر أحدهما كقوله تعالى :﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُه أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ﴾ (التوبة : ٦٢) أو لأن حقها أكثر وخدمتها أوفر.
وفيه نهي عن وأد البنات وهو فعل الجاهلية كان الواحد منهم إذا ولد له ابن تركه، وإذا ولد له بنت دفنها حية وإنما حملهم على ذلك خوف الإملاق ودفع العار والأنفة عن أنفسهم وأراد بالمنع الامتناع عن أداء ما يجب ويستحب.
وبهات الإقدام على أخذ ما يكره ويحرم.
وفيه نهي عن المقاولة
٣١١
بلا ضرورة وقصد ثواب فإنها تقسى القلوب.
وفيه نهي عن كثرة السؤال.
قال ابن ملك : يجوز أن يراد به سؤال أموال الناس وأن يراد به سؤال الإنسان عما لا يعنيه.
وفيه نهي عن إضاعة المال : وهي إنفاقه في المعاصي والإسراف به في غيرها كالإسراف في النفقة والبناء والملبوس والمفروش وتمويه الأواني والسيوف بالذهب.
قال في "التأويلات النجمية" : فلما أكثروا السؤال قال عليه السلام :"ذروني ما تركتكم فإنه إنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" ومن كثرة سؤالهم قوله تعالى :﴿يَسْـاَلُونَكَ عَنِ الانفَالِ﴾ وإنما سألوا ليكون الأنفال لهم فقال على خلاف ما تمنوا ﴿قُلِ الانفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ يعملان فيها ما شاءا لا كما شئتم لتتأدبوا ولا تعترضوا على الله والرسول بطريق السؤال وتكونوا مستسلمين لأحكامهما في دينكم ودنياكم، ولا تحرصوا على الدنيا لئلا تشوبوا أعمالكم الدينية بالأعراض الدنيوية.
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ أي : اتقوا بالله عن غير الله وأصلحوا ما بينكم من الأخلاق الرديئة والهمم الدنيئة، وهي الحرص على الدنيا والحسد على الإخوان وغيرهما من الصفات الذميمة التي يحجب بها نور الإيمان عن القلوب.
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ بالتسليم لأحكامهما والائتمار بأوامرهما والانتهاء عن نواهيهما.
﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ تحقيقاً لا تقليداً فإن المؤمن الحقيقي هو الذي كتب الله بقلم العناية في قلبه الإيمان وأيده بروح منه فهو على نور من ربه.
وفي "المثنوي" :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١١
بود كبرى در زمان با يزيد
كفت او را يك مسلمان سعيد
كه ه باشد كرتواسلام آورى
تا بيابى صد نجات وسروري
كفت اين ايمان اكرهست اي مريد
آنكه دارد شيخ عالم بايزيد
من ندارم طاقت آن تاب آن
كان فزون آمدزكو ششهاى جان
كره درايمان ودين نا موقنم
ليك در ايمان أو بس مؤمنم
مؤمن ايمان أو يم در نهان
كره مهرم هست محكم بردهان
باز ايمان كرخود ايمان شماست
نى بدان ميلستم ونى اشتهاست
آنكه صد مبلش سوى ايمان بود
ون شمارا ديد آن باطل شود
زانكه نامى بيند ومغنيش نى
ون بيابان را مفازه كفتنى
اللهم اجعلنا متحققين بحقائق الإيمان وأوصلنا إلى درجات العرفان والإحسان.
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي : إنما الكاملون في الإيمان المخلصون فيه ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ﴾ عندهم ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ من هيبة الجلال وتصور عظمة المولى الذي لا يزال وهذا الخوف لازم لأهل كمال الإيمان سواء كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً أو مؤمناً تقياً نقياً، وهذا بخلاف خوف العقاب فإنه لا يحصل بمجرد ذكر الله بل بملاحظة المعصية وذكر عقاب الله انتقاماً من العصاة وأين من يهم بمعصية فيقال له : اتققِ الله، فينزع عنها خوفاً من عقابه ممن ينزع بمجرد ذكره من غير أن يذكر هناك ما يوجب النزع من صفاته وأفعاله استعظاماً لشأنه الجليل وتهيباً منه.
واعلم : أن شأن نور الإيمان أن يرق القلب ويصفيه عن كدورات صفات النفس وظلماتها ويلين قسوته فيلين إلى ذكر الله ويجد شوقاً إلى الله وهذا حال أهل البدايات، وأما حال أهل النهايات فالطمأنينة والسكون
٣١٢


الصفحة التالية
Icon