﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ﴾ أي : اذكروا أيها المؤمنون وقت وعد الله تعالى إياكم.
﴿إِحْدَى الطَّآاـاِفَتَيْنِ﴾ أي : الفريقين إحداهما أبو سفيان مع العير والأخرى أبو جهل مع النفير.
﴿أَنَّهَا لَكُمْ﴾ بدل اشتمال من إحدى الطائفتين مبين لكيفية الوعد أي يعدكم أن إحدى الطائفتين كائنة لكم مختصة بكم مسخرة لكم تتسلطون عليها تسلط الملاك على أملاكهم وتتصرفون فيها كيف شئتم.
﴿وَتَوَدُّونَ﴾ عطف على يعدكم داخل تحت الأمر بالذكر أي : تحبون.
﴿أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ من الطائفتين لا ذات الشوكة وهي النفير ورئيسهم أبو جهل وهم ألف مقاتل وغير ذات الشوكة هي العير ؛ إذ لم يكن فيها إلا أربعون فارساً ورئيسهم أبو سفيان ولذلك يتمنونها.
والشوكة : الحدة، أي السلاح الذي له حدة كسنان الرمح والسيف ونصل السهم مستعار من واحدة الشوك والشوك نبت في طرفه حدة كحدة الإبرة.
﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ﴾ عطف على تودون منتظم معه في سلك التذكير أي اذكروا وقت وعده تعالى إياكم إحدى الطائفتين وودادتكم لأدناهما، وقوله تعالى :﴿أَن يُحِقَّ الْحَقَّ﴾ أي : يثبته ويعليه ﴿بِكَلِمَـاتِهِ﴾ بأمره لكم بالقتال.
﴿وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَـافِرِينَ﴾ أي : آخرهم ويستأصلهم بالمرة.
والمعنى إنكم تريدون أن تصيبوا مالاً ولا تلقوا مكروهاً والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين.
﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَـاطِلَ﴾ اللام متعلقة بفعل مقدر مؤخر عنها، أي : لهذه الغاية الجليلة وهي إظهار الدين الحق وإبطال الكفر فعل ما فعل لا لشيء آخر وليس فيه تكرار ؛ إذ الأول مذكور لبيان تفاوت ما بين الإرادتين إرادة الله وإرادة المؤمنين، والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول صلى الله عليه وسلّم على اختيار التوجه إلى ذات الشوكة ونصره عليها وقطع دابر المشركين ومعنى إحقاق الحق إظهار حقيته لا جعله حقاً بعد أن لم يكن كذلك وكذا حال إبطال الباطل.
﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ أي : المشركون ذلك أي إحقاق الحق وإبطال الباطل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ أي : اذكروا وقت استغاثتكم وهي طلب الفوز والنصر والعون وذلك أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال جعلوا يدعون الله
٣١٧
تعالى قائلين أي رب انصرنا على عدوك يا غياث المستغيثين أغثنا.
وعن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فأخذه أبو بكر فألقاه على منكبه والتزمه من ورائه، وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز ما وعدك فهذه الاستغاثة كانت من النبي عليه السلام ومن المؤمنين وإسناد الفعل إلى الجماعة لا ينافي كونه من النبي عليه السلام لأنه دعا وتضرع والمؤمنون كانوا يؤمنون.
﴿فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ أي : أجاب عطف على تستغيثون داخل معه في حكم التذكير.
﴿إِنِّي﴾ بأني ﴿مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ﴾ أي : جاعلين غيرهم من الملائكة رديفاً لأنفسهم فالمراد رؤساؤهم المستتبعون لغيرهم حتى صاروا ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف.
﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ﴾ عطف على مقدر أي فأمدكم الله بإنزال الملائكة عياناً وما جعل ذلك الإمداد لشيء من الأشياء.
﴿إِلا بُشْرَى﴾ أي : إلا للبشارة لكم بأنكم تنصرون فهو استثناء مفرغ من أعم العلل.
﴿وَلِتَطْمَـاـاِنَّ بِهِ﴾ أي : بالإمداد ﴿قُلُوبِكُمْ﴾ فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم وفي قصر الإمداد عليها إشعار بعدم مباشرة الملائكة للقتال وإنما كان إمدادهم بتقوية قلوب المباشرين وتكثير سواده ونحوه ولو بعثهم الله بالمحاربة لكان يكفي ملك واحد فإن جبريل أهلك بريشة واحدة من جناحه سبعاً من مدائن قوم لوط وأهلك بصيحة واحدة جميع بلاد ثمود.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٧
قال الحدادي : وهذا القول أقرب إلى ظاهر الآية وقيل : نزل جبرائيل في خمسمائة من الملائكة على الميمنة، وفيها أبو بكر رضي الله عنه ونزل ميكائيل في خمسمائة على الميسرة وفيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقاتلوا وقيل قاتلوا يوم بدر ولم يقاتلوا يوم الأحزاب ويوم حنين.
وروي أن رجلاً قال تبعت رجلاً من المشركين لأضربه يوم بدر فوقع رأسه بين يدي قبل أن يصل إليه سيفي ﴿وَمَا النَّصْرُ﴾ أي : حقيقة النصر على الإطلاق.
﴿إِلا﴾ كائن ﴿مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ من غير أن يكون فيه شركة من جهة الأسباب فإن إمداد الملائكة وكثرة العدد والأهب ونحوهما وسائط لا تأثير لها فلا تحسبوا النصر منها ولا تيأسوا منه بفقدها ونعم ما قيل :
النصر ليس بأجناد مجندة


الصفحة التالية
Icon