لكنه بسعادات وتوفيق ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ لا يغالب في حكمه ولا ينازع في أقضيته.
﴿حَكِيمٌ﴾ يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
واعلم أن للملائكة أمداداً في كل جيش حق، وإن لم يكونوا مرئيين ومشاهدين بحسب أبصارنا وهم في الحقيقة إشارة إلى القوى الروحانية الغالبة، فإنها إذا ظهرت في وجود المجاهر بالجهاد الأكبر لا يقابلها شيء من القوى الأنفسية الشريرة المغلوبة وكذا ما كان مظاهرها من كفار الظاهر وإنما العمدة هي اليقين والاطمئنان.
روي أن بني إسرائيل أعطوا السكينة وهي ريح ساكنة تخلع قلب العدو بصوتها رعباً إذا التقى الصفان وهي معجزة لأنبيائهم وكرامة لملوكهم وللسكينة معنيان آخران : أحدهما شيء من لطائف صنع الحق يلقى على لسان محدث الحكمة كما يلقي الملك الوحي على قلوب الأنبياء مع ترويح
٣١٨
الأسرار وكشف السر، وثانيهما ما أنزل على قلب النبي عليه السلام وقلوب المؤمنين وهو وشيء يجمع نوراً وقوة وروحاً يسكن إليه الخائف ويتسلى به الحزين وقد ورثه المجاهدون في سبيل الله بعدهم إلى قيام الساعة وإنما لا يظهر في بعض الأحيان والوقائع لحكمة أخفاها الله عن الغافلين.
هر خلل كاندر عمل بيني زنقصان دلست
رخنه كاندر قصر بيني ازقصور قيصر ست
وكل عصر على التنزل بالنسبة إلى ما قبله ولذا لا يظهر النصر في بعض السرايا بل يقال يا أيها الكفرة اقتلوا الفجرة.
قيل لعلي رضي الله عنه : ما بال خلافة عثمان مع خلافتك كانت متكدرة بخلاف خلافة الشيخين قال : كنت أنا وعثمان من أعوانهما وأنت وأمثالك من أعواننا فعلى المجاهدين أن يستغيثوا ربهم ويتضرعوا إليه كما تضرع الأصحاب رضي الله عنهم ومن يليهم لعل الله تعالى يظهر نصره.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٧
دعاى ضعيفان اميدواره
ز بازوى مردى به آيد بكار
ألا يا أيها المرء الذي في عسره أصبح
إذا اشتد بك الأمر فلا تنس ألم نشر
واعلم : أن أصدق المقال قول الله تعالى وقول رسوله وقد وعد وأمد فعليك بقوة الإيمان واليقين.
قال الشيخ محيي الدين بن العربي قدس سره في وصايا "الفتوحات" : ولقد ابتلى عندنا رجل من أعيان الناس بالجذام نعوذ بالله منه، وقال الأطباء بأسرهم لما أبصروه : وقد تمكنت العلة فيه ما لهذا المرض دواء فرأه شيخ من أهل الحديث يقال له سعد السعود، وكان عنده إيمان بالحديث عظيم، فقال له : يا هذا لِمَ لا تطيب نفسك فقال له الرجل إن الأطباء قالوا ليس لهذه العلة دواء، فقال سعد السعود كذبت الأطباء والنبي عليه السلام أحذق منهم وقد قال في الحبة السوداء "إنها شفاء من كل داء" وهذا الداء الذي نزل بك من جملة ذلك، ثم قال عليّ بالحبة السوداء والعسل فخلط هذا بهذا وطلى بهما بدنه كله ووجهه ورأسه إلى رجليه وألعقه من ذلك وتركه ساعة، ثم إنه غسل فانسلخ من جلده ونبت له جلد آخر ونبت ما كان قد سقط من شعره وبرىء وعاد إلى ما كان عليه في حال عافيته، فتعجب الأطباء والناس من قوة إيمانه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكان رحمه الله يستعمل الحبة السوداء في كل داء يصيبه، حتى في الرمد إذا رمدت عينه اكتحل بها فبرىء من ساعته انتهى كلام الشيخ فقد عرفت أن الاطمئنان وقوة الإيمان يجلب للمرء ما يهواه بعناية الملك المنان لكنه قليل أهله خصوصاً في هذا الزمان والله المعين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٧
﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ﴾ قال جماعة من المفسرين : لما أمر الله النبي عليه السلام بالمسير إلى الكفار سار بمن معه حتى إذا كان قريباً من بدر لقي رجلين في الطريق فسألهما هل مرت بكما العير؟ قالا : نعم مرت بنا ليلاً وكان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم عشرة من المسلمين فأخذوا الرجلين وكان أحدهما عبداً للعباس بن عبد المطلب، يقال له أبو رافع، والآخر عبداً لعقبة بن أبي معيط، يقال له : أسلم كانا يسقيان الماء فدفع أسلم إلى أصحابه يسألونه، وأخذ هو يسأل أبا رافع عمن خرج من أهل مكة فقال ما بقي بها أحد إلا وقد خرج، فقال عليه السلام "تأتي مكة اليوم بأفلاذ كبدها" ثم قال :"هل رجع منهم أحد" قال نعم أبيّ بن سريق في ثلاثمائة من بني زهرة وكان خرج لمكان العير فلما أقبلت العير رجع فسماه النبي عليه السلام الأخنس حين خنس بقومه، ثم أقبل على
٣١٩