﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَـاـاِذٍ دُبُرَهُ﴾ أي : ومن يجعل ظهره إليهم وقت اللقاء والقتال فضلاً عن الفرار فيومئذٍ هنا بمعنى حينئذٍ ؛ لأن اليوم وإن كان اسماً لبياض النهار إذا أطلق لكنه إذا قرن به فعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت.
﴿إِلا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ﴾ إما بالتوجه إلى قتال طائفة أخرى أهم من هؤلاء، وإما بالفر للكر بأن يخيل لعدوه أنه منهزم ليغره ويخرجه من بين أعوانه ثم يعطف عليه وحده أو مع من في المكمن من أصحابه وهو باب من خدع الحرب ومكايدها، يقال : انحرف وتحرف إذا مال من جانب إلى جانب آخر والحرف الطرف والجانب وانتصابه على الحالية والتقدير ومن يولهم ملتبساً بحال من الأحوال أية حال كانت إلا في حال كذا.
﴿أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ﴾ أي : منحازاً إلى جماعة أخرى من المؤمنين قريبة أو بعيدة لينضم إليهم، ثم يقاتل معهم العدو فالانهزام حرام
٣٢٣
إلا في هاتين الحالتين فإن كل واحدة منهما ليست انهزاماً في الحقيقة بل من قبيل التهيؤ والتقوى للحرب فمن ولى ظهره لغير أحد هذين الغرضين.
﴿فَقَدْ بَآءَ﴾ أي : رجع ﴿بِغَضَبٍ﴾ عظيم كائن ﴿مِّنَ اللَّهِ﴾ تعالى في الآخرة ﴿جَهَنَّمَ﴾ أي : بدل ما أراد بفراره أن يأوي إليه من مأوى ينجيه من القتل والمأوى المكان الذي يأوي إليه الإنسان أي يأتيه.
﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ أي : المرجع جهنم وهذا الوعيد وإن كان بحسب الظاهر متناولاً لكل من يولي دبره وقت ملاقاة الكفار إلا أنه مخصوص بما إذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين لقوله تعالى في آخر هذه السورة :﴿الْـاَـانَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا ئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِا ئَتَيْنِا وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ (الأنفال : ٦٦).
قال ابن عباس رضي الله عنه : من فر من ثلاثة لم يفر ومن فرّ من اثنين فقد فر أي ارتكب المحرم وهو كبيرة الفرار من الزحف.
وفي "المثنوي" :
اين نين هوشى كه ازموشى ريد
اندر آن صف تيغ ون خواهد كشيد
الش است آن حمزه خوردن نيست اين
تاتو بر مالى بخوردن آستين
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٣
نيست حمزه خودن اينجا تيغ بين
حمزه بايد درين صف آهنين
كار هر نازك دلى نبود قتال
كه كر يزد از خيالي ون خيال
كار تركانست نى تركان برو
جاى تركان هست خانه خانه شو
وعد بعض العلماء الكبائر إلى سبعين منها : الفرار من الجيش في الغزو إذا كان مثلاً أو ضعفاً، وكل ما كان شنيعاً بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله والدين فهي كبيرة تسقط العدالة في الشهادة، فعلى العاقل أن يقدم على الحرب بقلب جريء ويعلم أن الجبن لا يؤخر أجله وأن الإقدام على القتال لا يعجل موته ويتشبه الغازي في أوان المقاتلة بأصناف من الخلق فيكون كقلب الأسد لا يجبن ولا يفر كما أن الأسد مقدام غير جبان وكرار غير فرار وفي كبر النمر بالفارسية (لنك) لا يتواضع للعدو وفي شجاعة الدب يقاتل بجميع جوارحه وفي جملة الخنزير لا يولي دبره إذا حمل أي لا يعرض وجهه عما توجه إليه وفي إغارة الذئب إذا يئس من وجه أغار من وجه آخر والإغارة بالفارسية (يغما كردن)، وفي حمل السلاح الثقيل كالنملة تحمل أضعاف وزن بدنها وفي الثبات كالحجر لا يزول عن مكانه وفي الصبر كالحمار وفي الوفاء كالكلب لو دخل سيده النار يتبعه، وفي التماس الفرصة والظفر كالديك ويكون في الصف ساكناً كالمصلي الخاشع، ويكون في متابعة أمير العسكر كمتابعة المأموم إمامه في الصلاة أي لا يخالفه أصلاً ويغطي نفسه بالسلاح كتغطية البكر نفسها بالثياب إذا زفت أي أرسلت إلى الزوج وفي تكثير قليل سلاحه وماله كالمرائي إذا قل ماله وعبادته ويكون في المكر والحيلة إذا هزمه العدو أي غلب عليه كالثعلب إذا اضطره الكلب فإن مدار الحرب على الخداع وفي التبختر والخيلاء بين الصفين كالعروس وفي الخفة في تحريف القتال من جانب إلى آخر كالصبي وفي صياحه إذا صاح بالعدو كالرعد وهو اسم ملك على قول وفي سوء ظنه أي في الحذر عما يهلكه في جميع أحواله كالغراب الأبقع وهو الذي فيه سواد وبياض وفي حراسته والاحتراز عن المكاره كالكركي وهو طير معروف لازوردي اللون يشابه اللقلق في الهيئة بالفارسية (كلتك) ومن الحيوان الذي لا يصلح إلا برئيس لأن في طبعه الحرس والتحارس بالنوبة والذي يحرس يهتف بصوت خفي كأنه يندر بأنه حارس
٣٢٤
فإذا قضى نوبته قام الذي كان نائماً يحرس مكانه حتى يقضي كل ما يلزمه من الحراسة.
قال القزويني والكركي : لا يمشي على الأرض إلا بإحدى رجليه ويعلق الأخرى وإن وضعها وضعها خفيفاً مخافة أن تخسف به الأرض كذا في "حياة الحيوان".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٣


الصفحة التالية
Icon