واعلم : أن الله أسند القتل إلى داود عليه السلام في قوله :﴿وَقَتَلَ دَاوُادُ جَالُوتَ﴾ (البقرة : ٢٥١) وفرق كثير بين عبد أضيف فعله إلى نفسه والعبد محل الآفات والحوادث وبين عبد أضيف فعله إلى الله تعالى والله منزه عن الآفات والحوادث.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٣
ما رميت اذرميت كفت حق
كارحق بركارها دارد سبقكر برانيم تيران نى زماست
ما كمان وتير اندازش خداستتانشد مغلوب كس اين سر نيافت
كرتوخواهى آن طرف بايد شتافت
﴿وَلِيُبْلِىَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ﴾ أي : ليعطيهم من عنده تعالى وينعم عليهم.
﴿بَلاءً حَسَنًا﴾ أي : عطاء جميلاً ونعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ومشاهدة الآيات غير مشوبة بمقاساة الشدائد والمكاره.
والبلاء : يطلق على النعمة وعلى المحنة ؛ لأن أصله الاختيار وهو كما يكون بالمحنة لإظهار الصبر يكون بالنعمة أيضاً لإظهار الشكر، والاختبار من الله تعالى إظهار ما علم كما علم لا تحصيل علم ما لم يعلم لأنه تعالى منزه عنه.
واللام : متعلقة بمحذوف مؤخر أي وللإحسان إليهم بالنصر والغنيمة والأجر العظيم فعل ما فعل لا لشيء غير ذلك مما لا يجديهم نفعاً.
وإما برمي فالواو للعطف على علة محذوفة أي ولكن الله رمى ليمحق الكافرين وليبلي المؤمنين.
قال ابن الشيخ : والظاهر أن بلاء اسم مصدر ليبلي أي ليبليهم إبلاء حسناً والمتبادر من عبارة القاضي أنه حمله على نفس الشيء المبلوّ به على طريق إطلاق المصدر على المفعول حيث قال ولينعم عليهم نعمة عظيمة قال الكاشفي :(در حقائق سلمى از امام جعفر صادق رضي الله عنه نقل ميكندكه بلاء حسن آنست كه ايشانرا از نفوس ايشان فإني
٣٢٦
كرداند وبعد از فنا بهويت خود شان باقي سازد امام.
قشيري كويد بلاء حسن آنست كه مبتلى مشاهده كندميلى را در عين بلا).
ودانستى كه اين درد تواز كيست
زرنج خويشتن مى باش خرم
كر او زهرت دهد بهتر زشكر
وراوزحمت زندخوشتر زمرهم
﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ لاستغاثتهم ودعائهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بنياتهم وأحوالهم الداعية إلى الإجابة.
﴿ذَالِكُمْ﴾ إشارة إلى البلاء الحسن ومحله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وقوله تعالى :﴿وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَـافِرِينَ﴾ معطوف على ذلكم، أي : المقصود إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم.
والإيهان (سست كردن) والنعت موهون كذا في "تاج المصادر".
والوهن الضعف والكيد المكر والحيلة والحرب.
وفي الآية : إشارة إلى أن التأثير من الله تعالى والعبد آلهة في البين فينبغي للمرء أن لا يعجب بنفسه وعمله، ولذا قال الله تعالى :﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ﴾ وأظهر منته عليهم والعجب استعظام العمل الصالح من غير ذكر التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٣
قال المسيح عليه السلام : يا معشر الحواريين كم من سراج قد أطفأته الريح، وكم من عابد قد أفسده العجب.
واعلم : أن الناس في العجب ثلاثة أصناف : صنف، هم معجبون بكل حال وهم المعتزلة والقدرية الذين لا يرونتعالى عليهم منة في أفعالهم وينكرون العون والتوفيق الخاص واللطف وتلك الشبهة استولت عليهم.
وصنف هم الذاكرون المنة بكل حال وهم المستقيمون لا يعجبون بشيء من الأعمال وذلك لبصيرة أكرموا بها وتأييد خصوا به.
والصنف الثالث المخلطون وهم عامة أهل السنة تارة يتنبهون فيذكرون منة الله تعالى وتارة يغفلون فيعجبون وذلك لمكان الغفلة العارضة والفترة في الاجتهاد والنقص في البصيرة فحق للعاقل أن يرى حقارة عمله وقلة مقداره من حيث هو وأن يرى أن منة الله عليه أشرف من قدر عمله وأعظم من جزائه وأن يحذر على فعله من أن يقع على وجه لا يصلحتعالى ولا يقع منه موقع الرضى، فتذهب عنه القيمة التي حصلت له، ويعود إلى ما كان في الأصل من الثمن الحقير من دراهم أو دوانق ومثاله أن العنقود من العنب أو الإضبارة من الريحان تكون قيمته في السوق دانقاً، فإذا أهداه واحد إلى الملك دستجة فوقع منه موقع الرضى يهب له على ذلك ألف دينار فصار ما قيمته حبة بألف دينار فإذا لم يرضه الملك أو رده عليه رجع إلى قيمته الخسيسة من حبة أو دانق فكذلك ما نحن فيه.
قال وهب : كان فيمن قبلكم رجل عبد الله سبعين سنة يفطر من سبت إلى سبت فطلب من الله حاجة فلم يقض فأقبل على نفسه وقال لو كان عندك خير قضيت حاجتك فأنزل الله تعالى ملكاً فقال يا ابن آدم ساعتك التي أزريت بنفسك فيها خير من عبادتك التي مضت.
ونعم ما قال الحافظ الشيرازي :
در راه ما شكسته دلى ميخرند وبس
بازار خودفر وشى ازان سوى ديكرست
اللهم اجعلنا من أهل التوفيق ومن المساكين بطريق التحقيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٣
﴿إِن تَسْتَفْتِحُوا﴾ الخطاب لأهل مكة على سبيل التهكم بهم وذلك أنهم حين أرادوا الخروج إلى بدر تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدين.
وروي أن أبا جهل
٣٢٧


الصفحة التالية
Icon