قال يوم بدر : اللهم انصر أفضل الفريقين وأحقهما بالنصر، اللهم أينا أقطع للرحم وأفسد للجماعة فأهلكه دعا على نفسه لغاية حماقته فاستجاب الله دعائه حيث ضربه ابنا عفراء عوذ ومعاذ وأجهز عليه ابن مسعود رضي الله عنه.
فالمعنى إن تستنصروا يا أهل مكة لا على الجندين.
﴿فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ حيث نصر أعلاهما وقد زعمتم أنكم الأعلى فالتهكم في المجيء أو فقد جاءكم الهزيمة والقهر والخزي فالتكهم في نفس الفتح حيث وضع موضع ما يقابله.
﴿وَإِن تَنتَهُوا﴾ عن الكفر ومعاداة الرسول.
﴿فَهُوَ﴾ أي : الانتهاء ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أي : من الحراب الذي ذقتم غائلته لما فيه من السلامة من القتل والأسر ومبنى اعتبار أصل الخيرية في المفضل عليه هو ألتكهم.
﴿وَإِن تَعُودُوا﴾ لمحاربته.
﴿نَعُدْ﴾ لنصره.
﴿وَلَن تُغْنِىَ﴾ أي : لن تدفع أبداً ﴿عَنكُمْ فِئَتُكُمْ﴾ أي : جماعتكم التي تجمعونهم وتستغيثون بهم.
﴿شَيْـاًا﴾ أي : من الإغناء فنصب شيئاً على المصدر أو من المضار فنصبه على المفعولية.
﴿وَلَوْ كَثُرَتْ﴾ فئتكم في العدد ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي : ولأن الله مع المؤمنين بالنصر والمعونة فعل ذلك.
وفي الآية : إشارة إلى أن النجاة في الإيمان والإسلام، والتسليم لأمر الله الملك العلام وأن غاية الباطل هو الزوال والاضمحلال وإن ساعده الإمهال.
قال الحافظ :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٧
اسم أعظم بكندكار خوداى دل خوش باش
كه بتلبيس وحيل ديو سليمان نشود
واعلم : أن المحاربة مع الأولياء الكرام كالمحاربة مع الأنبياء العظام وكل منهم منصور على أعدائه لأن الله معهم وهو لا ينساهم ولا يتركهم بحال.
حكي أن دانيال عليه السلام طرح في الجب، وألقيت عليه السباع فجعلت السباع تلحسه وتبصبص إليه فأتاه رسول فقال : يا دانيال فقال : من أنت، قال : أنا رسول ربك إليك أرسلني إليك بطعام فقال : الحمدالذي لا ينسى من ذكره.
وإذا السعادة لاحظتك عيونها
نم فالمخاوف كلهن أمان
واصطد بها العنقاء فهي حبالة
واقتد بها الجوزاء فهي عنان وحكي الماوردي في كتاب "أدب الدنيا والدين" أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوماً في المصحف فخرج له قوله تعالى :﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ فمزق المصحف وأنشأ يقول :
أتوعد كل جبار عنيد
فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر
فقل يا رب مزقني الوليد فلم يلبث أياماً حتى قتل شرّ قتلة وصلب رأسه على قصره ثم على سور بلده.
جزم القاضي أبو بكر في الأحكام في سورة المائدة بتحريم أخذ الفأل من المصحف.
ونقله القرافي عن الطرطوشي وأقره وأباحه ابن بطة من الحنابلة.
وقال بعضهم : بكراهته كذا في "حياة الحيوان" للإمام الدميري.
والإشارة في الآية :﴿إِن تَسْتَفْتِحُوا﴾ أبواب قلوبكم بمفتاح الصدق والإخلاص وترك ما سوى الله تعالى في طلب التجلي.
﴿فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ بالتجلي فإن الله تعالى متجل في ذاته أزلاً وأبداً فلا تغير له وإنما التغير في أحوال الخلق فإنهم عند انغلاق أبواب قلوبهم إلى الله محرومون من التجلي وعند
٣٢٨
انفتاح أبوابها محفوفون به.
﴿وَإِن تَنتَهُوا﴾ أي : عن غير الله في طلب الله فهو خير لكم مما سواه ﴿وَإِن تَعُودُوا﴾ إلى الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها وزخارفها وإلى ما سوى الله تعالى ﴿نَعُدْ﴾ إلى خذلانكم إلى أنفسكم وهواها ودواعيها وغلبات صفاتها.
﴿وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـاًا﴾ أي : تقوم لكم الدنيا والآخرة وما فيهما مقام شيء من مواهب الله وألطافه ولو كثرت، يعني : وإن كثرت نعم الله من الدنيوية والأخروية فلا توازي شيئاً مما أنعم الله على أهل الله وخاصته وإن الله بأصناف الطافه مع المؤمنين بهذه المقامات، وطالبيها ليبلغهم إليها بفضله ورحمته لا بحولهم وقوتهم كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٧
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَه وَلا تَوَلَّوْا} بحذف إحدى التاءين، أي : لا تتولوا والتولي الإعراض.
وبالفارسية (روى بكر دانيدن).
﴿عَنْهُ﴾ أي : عن الرسول ولم يقل عنهما لأن طاعة الله إنما تكون بطاعة رسوله.
﴿وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ أي : والحال إنكم تسمعون القرآن الناطق بوجوب طاعته، والمواعظ الزاجرة عن مخالفته سماع فهم وتصديق ﴿وَلا تَكُونُوا﴾ بمخالفة الأمر والنهي.
﴿كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا﴾ على جهة القبول ﴿وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ للقبول، وإنما سمعوا به للرد والإعراض عنه، كالكفار الذين قالوا سمعنا وعصينا وكالمنافقين الذين يدعون السماع والقبول بألسنتهم ويضمرون الكفر والتكذيب.
قال في "المثنوي" :
نبست راه خوانده ه ناخوانده
هست اى أو بكل در مانده
كرسرش جنبد بسير باد رو
تو بسر جنبانيش غره مشو
آن سرش كويد سمعنا اي صبا
اى أو كويد عصينا خلنا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٧


الصفحة التالية
Icon