يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَه وَلا تَوَلَّوْا} بحذف إحدى التاءين، أي : لا تتولوا والتولي الإعراض.
وبالفارسية (روى بكر دانيدن).
﴿عَنْهُ﴾ أي : عن الرسول ولم يقل عنهما لأن طاعة الله إنما تكون بطاعة رسوله.
﴿وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ أي : والحال إنكم تسمعون القرآن الناطق بوجوب طاعته، والمواعظ الزاجرة عن مخالفته سماع فهم وتصديق ﴿وَلا تَكُونُوا﴾ بمخالفة الأمر والنهي.
﴿كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا﴾ على جهة القبول ﴿وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ للقبول، وإنما سمعوا به للرد والإعراض عنه، كالكفار الذين قالوا سمعنا وعصينا وكالمنافقين الذين يدعون السماع والقبول بألسنتهم ويضمرون الكفر والتكذيب.
قال في "المثنوي" :
نبست راه خوانده ه ناخوانده
هست اى أو بكل در مانده
كرسرش جنبد بسير باد رو
تو بسر جنبانيش غره مشو
آن سرش كويد سمعنا اي صبا
اى أو كويد عصينا خلنا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٧
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ﴾ أي : شر ما يدب على الأرض، فلفظ الدابة محمول على معناه اللغوي أو شر البهائم فهو محمول على معناه العرفي والبهيمة، كل ذات أربع من حيوانات البر والبحر.
﴿عِندَ اللَّهِ﴾ أي : في حكم قضائه ﴿الصُّمُّ﴾ الذين لا يسمعون الحق.
﴿الْبُكْمُ﴾ الذين لا ينطقون به.
﴿الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ الحق عدهم من البهائم، ثم جعلهم شرها لإبطالهم ما ميزوا به وفضلوا لأجله.
وإنما وصفهم بعدم العقل ؛ لأن الأصم الأبكم إذا كان له عقل ربما يفهم بعض الأمور ويفهمه غيره بالإشارة ويهتدي بذلك إلى بعض مطالبه، وأما إذا كان فاقداً للعقل أيضاً فهو الغاية في الشرية وسوء الحال.
قال السعدي :
بهائم خموشند وكويا بشر
راكنده كوى از بهائم بتر
بنطق است وعقل آدمي زاده فاش
وطوطى سخن كوى ونادان مباش
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ شيئاً من جنس الخير الذي من جملته صرف قواهم إلى تحري الحق واتباع الهدى.
﴿لاسْمَعَهُمْ﴾ سماع تفهم وتدبر ولوقفوا على حقيقة الرسول وأطاعوه وآمنوا به ولكن لم يعلم فيهم شيئاً من ذلك لخلوهم عنه بالمرة فلم يسمعهم لذلك لخلوه عن الفائدة وخروجه عن الحكمة.
قال ابن الشيخ : عبر عن عدم استقرار الخير فيهم بعدم علم الله تعالى بوجوده فيهم لأن كل ما وقع واستقر يجب أن يعلم الله تعالى بحصوله ووجوده، فعدم علم الله تعالى بوجود الشيء من لوازم عدمه في نفسه فعبر باللازم عن الملزوم فقيل :﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ﴾ مقام أن يقال لو كان فيهم خيراً لأسمعهم لكونه أبلغ في الدلالة على انعدام الخير فيهم،
٣٢٩
لأن نفي لازم الشيء نفي لنفس ذلك الشيء بينة فيكون أبلغ من نفي نفس ذلك الشيء.
﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ﴾ سماع تفهم وهم على هذه الحالة العارية عن الخير بالكلية.
﴿لَتَوَلَّوا﴾ عما سمعوه من الحق ولم ينتفعوا به قط أو ارتدوا بعد ما صدقوه وصاروا، كأن لم يسمعوه أصلاً.
﴿وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾ أي : لتولوا على أدبارهم والحال إنهم معرضون عما سمعوه بقلوبهم لعنادهم، وفيه إشارة إلى أن من قدر له الشقاوة فإنه يتولى عن المتابعة في أثناء السلوك ويعرض عن الله وطلبه ويقبل على الدنيا وزخارفها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٩
واعلم : أن الإنسان خلق في أحسن تقويم قابلاً للتربية والترقي مستعداً لكمال لا يبلغه الملك المقرب فهو في بدء الخلقة دون الملك وفوق الحيوان فبتربية الشريعة يصير فوق الملك.
فيكون خير البرية وبمخالفة الشريعة ومتابعة الهوى يصير دون الحيوان فيكون شر البرية فيؤول حال من يكون خيراً من الملك إلى أن يكون شر الدواب.


الصفحة التالية
Icon