قال علي رضي الله عنه : اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني أو حث على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها قبل أن يحول الله بينه وبين القلب بالموت أو غيره من الآفات، كأنه قيل : بادر إلى تكميل النفوس وتصفية القلوب بإجابة الرسول المبعوث من علام الغيوب قبل فوات الفرصة، فإنها قد تفوت بأن يحدث الله أسباباً لا يتمكن العبد معها من تصريف القلب فيما يشاؤه من إصلاح أمره، فيموت غير مستجيبورسوله، ويحتمل أن يكون المراد بالحيلولة تصوير تملكه تعالى قلب العبد وغلبته عليه فيفسخ عزائمه ويغير نياته ومقاصده ولا يمكنه من إمضائها على حسب إرادته فيحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته وبينه وبين الإيمان إن قضى شقاوته وكان عليه السلام يقول كثيراً :"يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك" ويبدل بالأمن خوفاً وبالذكر نسياناً وما أشبه ذلك من الأمور المعترضة المفوّتة للفرصة (در كشف الأسرار فرموده كه علما دلرا ايند ولمن كان له قلب أشارت بدانست وعرفادلراكم كنند يحول بين المرء وقلبه عبارت از آنست در بدايت از دل نا رست ودر نهايت حجاب ديدارست).
٣٣١
زيد يش همي ديدمش اندر دل خويش
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٩
دل نيز حجاب بود بر داشت زيش
فالله تعالى يحول بتجلي صفاته بين المرء وقلبه يعني إذا تجلى الله على قلب المرء يحول بسطوات أنوار جماله وجلاله بين مرآة قلبه وظلمة أوصافه.
﴿وَأَنَّهُ﴾ أي : واعلموا أيضاً أن الله تعالى ﴿إِلَيْهِ﴾ تعالى لا إلى غيره.
﴿تُحْشَرُونَ﴾ تبعثون وتجمعون فيجازيكم على حسب أعمالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر فسارعوا إلى طاعة الله وطاعة رسوله وبالغوا في الاستجابة لهما.
واعلم : أن الاستجابةبالسرائر وللرسول بالظواهر وأيضاً الاستجابةإجابة الأرواح للشهود واستجابة القلوب للشواهد وإجابة الأسرار للمشاهدة وإجابة الخفي للفناء في الله والاستجابة للرسول بالمتابعة في الأقوال والأحوال والأفعال.
وروي أنه عليه السلام مر على أبي وهو يصلي فدعاه فعجل في صلاته ثم جاء فقال عليه السلام :"ما منعك عن إجابتي" قال كنت أصلي "قال ألم تخبر فيما أوحي إلي استجيبواوللرسول".
واختلف العلماء في جواز قطع الصلاة لإجابة الداعي.
فقال بعضهم إنه مختص باستجابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا يجوز قطع الصلاة لإجابة غيره لأن قطعها إبطال لها وإبطال العمل حرام.
وقال بعضهم : يجوز لكل مصل أن يقطع صلاته لأمر لا يحتمل التأخير كما إذا خاف أن يسقط أحد من سطح أو تحرقه النار أو يغرق في الماء وجب عليه أن يقطع الصلاة وإن كان في الفريضة كذا في "غنية الفتاوى".
ويجيب في صلاة النافلة دعاء أمه دون نداء أبيه، أي : يقطع الصلاة ويقول لبيك مثلاً وذلك لأن مشقة الأم وتحملها التعب من الولد أكثر ولذا ورد "الجنة تحت أقدام الأمهات" معناه أن التواضع للأمهات سبب دخول الجنة.
وقال بعض المشايخ : الأب يقدم على الأم في الاحترام والأم في الخدمة حتى لو دخلا عليه يقوم للأب وإجابة الدعوة من قبيل الخدمة غالباً.
قال الطحاوي : مصلي النافلة إذا ناداه أحد أبويه إن علم أنه في الصلاة وناداه لا بأس بأن لا يجيبه وإن لم يعلم يجيب وأما مصلى الفريضة إذا دعاه أحد أبويه فلا يجيب ما لم يفرغ من صلاته إلا أن يستغيثه لشيء فإن قطع الصلاة لا يجوز إلا لضرورة وكذا الإفطار في صوم النفل فإنه إذا ألح عليه أحد بالإفطار يجوز قبل الزوال وأما إذا كان بعده فلا يفطر إلا إذا كان في ترك الإفطار عقوق الوالدين أو أحدهما كذا في "شرح التحفة" و"الوقاية".
وأما في صوم القضاء فيكره الإفطار مطلقاً كذا في "الزاهدي".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٩
ثم اعلم : أن استجابة الرسول يدخل فيها بطريق الإشارة استجابة الأولياء العلماء الأدباء الأمناء لأنهم الورثة وطريقتهم طريقة النبي عليه السلام ولا بد لمن أراد الوصول إلى الله تعالى من صحبة مرشد كامل عارف بالمقامات والمراتب وقبول ما دعا إليه سواء كان محبوباً له أولا فإن هذا ليس طريق العقل بل طريق الكشف والإلهام.
كردر سرت هواي وصالست حافظاً
بايدكه خاك دركه أهل نظر شوى
وأهل الطريقة ثلاثة : عباد، ومريدون، وعارفون.
فطريق العباد : كثرة الأعمال والتجنب من الزنى والضلال.
وطريق المريدين : تخليص الباطن من الشوائب، والنفور عن المشغلات، وطريق العارفين : تخليص القلبوبذل الدنيا والآخرة في طلب رضاه اللهم اجعلنا من المستجيبين للدعوة الحقة وأذقنا من حلاوة الأسرار المحققة آمين.
٣٣٢
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَآصَّةً﴾.