﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَـادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ الفتنة قد تطلق على الآفة والبلاء وقد تطلق على الابتلاء والامتحان، فالمعنى على الأول إنما أموالكم وأولادكم أسباب مؤدية إلى الوقوع في الآفة التي هي ارتكاب المعصية في الدنيا والوقوع في عقاب الآخرة، وعلى الثاني : إنها أسباب لوقوع العبد في محن الله تعالى واختباراته حيث يظهر من اتبع الهوى ممن آثر رضى المولى.
﴿وَأَنَّ اللَّهَ عِندَه أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ لمن آثر رضي الله وراعى حدوده فيهم فأنيطوا، أي : علقوا هممكم بما يؤديكم إليه ولا يحملنكم حبهما على الخيانة (أحمد أنطاكي فرموده كه حق سبحانه وتعالى مال وفرزندانرا فتنه كفت تا ازفتنه بيكسو رويم وما يوسته بخلاف حكم خداوند آن فتنه را زيادت ميخواهيم).
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٤
جوان ويركه دربند مال وفرزندند
نه عاقلندكه طفلان ناخرد مندند
٣٣٥
قال بعض السلف : كل ما شغلك عن الله سبحانه من مال وولد فهو مشؤوم عليك، وأما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادته فهو المحمود بكل لسان المحبوب لكل إنسان.
قال في "المثنوي" :
يست دنيا از خدا غافل بدن
نى قماش ونقره وميزان وزن
مال راكز بهر دين باشى حمول
نعم مال صالح خواندش رسول
آب دركشتى هلاك كشتى است
آب اندر زير كشتى شتى است
ونكه مال وملك را ازدل براند
زان سليمان خويش جز مسكين نخواند
وفي الحديث :"إن العبد إذا قال لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله من عصى ربه" فعلى العاقل أن لا يشتغل بسبب الدنيا ولعنها بل يلوم نفسه ولعنها في حب الدنيا.
قال أبو يزيد قدس سره : جمعت فكري وأحضرت ضميري ومثلت نفسي واقفاً بين يدي ربي فقال لي يا أبا يزيد بأي شيء جئتني قلت يا رب بالزهد في الدنيا.
قال : يا أبا يزيد إنما كان مقدار الدنيا عندي مثل جناح بعوضة ففيم زهدت منها فقلت إلهي وسيدي أستغفرك من هذه الحالة جئت بالتوكل عليك قال : يا أبا يزيد ألم أكن ثقة فيما ضمنت لك حتى توكلت عليّ قلت إلهي وسيدي أستغفرك من هاتين الحالتين جئتك بالافتقار إليك فقال عند ذلك قبلناك فهذه حال العارفين بالله تعالى وفوا عهودهم في طلبه فجعلهم الله أمناء لأسراره.
واعلم : أن الخيانة على أنواع فالفرائض والسنن أعمال ائتمن الله تعالى عليها عباده ليحافظوا على أدائها في أوقاتها برعاية حدودها وحقوقها فمن ضيعها فقد خان الله تعالى فيها.
والوجود وما يتبعه من الأعضاء والقوى أمانات والأهل والأولاد والأموال أمانات والإماء والعبيد وسائر الخدم أمانات والسلطنة والوزارة والإمارة والقضاء والفتوى وما يلحقها أمانات وفي الحديث :"من قلد إنساناً عملاً وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين".
قال السعدي قدس سره :
كسى راكه باخواجه تست جنك
بد ستش را ميدهى وب وسنك
سك آخر كه باشدكه خوانش نهند
بفرماى تا استخوانش دهند
وفي الحديث :"أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما وجاء الشيطان" ففي كل ذلك يلزم العبد أن يكون أميناً غير خائن وإلا فقد تعرض لسخط الله تعالى ونعوذ بالله منه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما كلب أمين خير من صاحب خائن.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٤
وكان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم وكان شديد المحبة لهم، فخرج في بعض منتزهاته ومعه ندماؤه فتخلف منهم واحد فدخل على زوجته فأكلا وشربا ثم اضطجعا فوثب الكلب عليهما فلما رجع الحارث إلى منزله وجدهما قتيلين فعرف الأمر فأنشد يقول :
وما زال يرعى ذمتي ويحوطني
ويحفظ عرسي والخليل يخون
فيا عجباً للخل تحليل حرمتي
ويا عجباً للكلب كيف يصون والإشارة في الآية : يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} أي : يا أيها الأرواح والقلوب المنورة بنور الإيمان المستعدة بسعادات العرفان.
﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ﴾ فيما آتاكم من المواهب فتجعلوها شبكة الدنيا واصطياد
٣٣٦