وقال الحدادي : المكاء طائر أبيض يكون في الحجاز يصفر فسمي تصويته باسمه ﴿وَتَصْدِيَةً﴾ تصفيقاً وهو تصويت اليدين إحداهما على الأخرى وأصلها إحداث الصدى وهو ما يسمع من رجع الصوت في الأمكنة الخالية الصلبة يقال صدي يصدى تصدية وكان تقرب المشركين إلى الله بالصفير والتصفيق يفعلونهما عند البيت مكان الدعاء والتسبيح ويعدونهما نوعاً من العبادة والدعاء لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كانت قريش يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبكين بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون فمساق الآية لتقرير استحقاقهم العذاب وعدم ولايتهم المسجد فإنها لا تليق بمن هذه صلاته.
وقال مقاتل : كان النبي عليه السلام إذا صلى في المسجد قام رجلان من بني عبد الدار عن يمينه ورجلان عن يساره فيصفرون كما يصفر المكاء ويصفقون بأيديهم ليخلطوا على النبي عليه السلام صلاته وقراءته وكانوا يفعلون كذلك بصلاة من آمن به ويريدون أنهم يصلون أيضاً فالمراد بالصلاة على هذا التقدير هي المأمور بها ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ أي عذاب القتل والأسر يوم بدر ويقال أراد بهذا أنه يقال لهم يوم القيامة فذوقوا العذاب.
﴿بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ اعتقاداً وعملاً فالكفر والمعصية سبب للوقوع في العذاب والتوبة والاستغفار وسيلة إلى فيض الرحمة من الوهاب وهي صابون الأوزار فحيث لا توبة ولا طهارة كان كل مسلم لا يصلح لأن يلي أمر مسجد القلب وإنما يليق بولايته من كان فارغاً من الشواغل معرضاً عن العلائق طاهراً من العيوب والله تعالى لا يعذب أولياءه بعد إدخالهم جنات التجليات العالية والأذواق والحالات المتوالية فإنهم تخلصوا من الوجود المضاف إلى النار المشابه للحطب وما بقي فيهم غير النور الإلهي المضيء في بيت القلب الحقاني وإنما يعذب بعدله من لم يستعد للرحمة أو من خلط عملاً صالحاً بآخر سيئاً ليخلصه من ذلك اللوث فالاقتداء بالنبي عليه السلام قبول ما جاء به من الأحكام والشرائع مؤد إلى الخلاص وسبب للتصفية فعليك بالاختيار والاجتناب فإنهما فرضان وحقيقة التقوى عبارة عن كليهما وبالاحتماء يصح المريض ومعالجة القلوب المرضى أولى من كل أمر وأهمّ من كل شيء للعبد العاقل وذلك بالتقوى وإحياء سنة خير الورى وفي الحديث :"من أحيا سنتي فقد أحياني ومن أحياني فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة يوم القيامة" وفي الحديث أيضاً :"من حفظ سنتي أكرمه الله بأربع خصال : المحبة في قلوب البررة، والهيبة في قلوب الفجرة، والسعة في الرزق والثقة بالدين" فإن فاتت صحبة الرسول فقد تيسرت صحبة سنته، وصحبة من أحب سنته وذلك ماضضٍ إلى يوم القيامة ولصحبة الكبار واقتران المتقين تأثير عظيم ولاستماع كلام الحق والرسول نفع تام ولكن العمدة توفيق الله وهدايته، نسأل الله تعالى أن يصحح أغراضنا ويكثر صالحات أعمالنا وأعواضنا ويؤيدنا بنور الكتاب والسنة ويشرفنا بالمقامات العالية في الجنة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٢
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ نزلت في المطعمين يوم، بدر وكانوا اثني عشر رجلاً من أشراف قريش يطعم كل واحد منهم عسكر الكفار كل يوم عشر جزر، وهو جمع جزور وهو البعير ذكراً كان أو أنثى إلا أن لفظه مؤنث تقول هذه الجزور وإن أردت ذكراً.
﴿يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾ على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلّم ﴿لِيَصُدُّوا﴾ أي
٣٤٣
يمنعوا الناس ﴿عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي : دين الله وأتباع رسوله لأنه طريق ثوابه والخلود في جنته لمن سلكه على أمر به واللام في ليصدوا لام الصيرورة وهي لام العاقبة والمآل.
﴿فَسَيُنفِقُونَهَا﴾ بتمامها ولعل الأول إخبار عن إنفاقهم وهو إنفاق بدر والثاني إخبار عن إنفاقهم فيما يستقبل وهو إنفاق أحد، ويحتمل أن يراد بهما واحد بأن يكون ينفقون للاستمرار التجددي، ويكون السين في قوله.
(فسينفقونها) للتأكيد لا للتسويف فيتحد الإنفاقان إلا أن مساق الأول لبيان غرضهم من الإنفاق ومساق الثاني لبيان عاقبته.
﴿ثُمَّ تَكُونُ﴾ تلك الأموال ﴿عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ ندماً وغماً لفواتها من غير حصول المقصود، ولما كانت عاقبة إنفاقها حسرة في قلوبهم جعلت ذوات الأموال كأنها عين الحسرة للمبالغة.
قال الحدادي : والحسرة مأخوذة من الكشف يقال حسر رأسه إذا كشفه والحاسر كاشف الرأس فيكون المعنى ثم يكشف لهم عن ذلك ما يكون حسرة عليهم ﴿ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ آخر الأمر وإن كانت الحرب بينهم سجالاً قبل ذلك.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأصروا على الكفر ﴿إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ أي يساقون لا إلى غيرها.