وفي بعض الفتاوى لو ذكر الله في مجلس الفسق ناوياً أنهم يشتغلون بالفسق وأنا أشتغل بالذكر فهو أفضل كالذكر في السوق أفضل من الذكر في غيره وحضور مجلس الذكر يكفر سبعين مجلساً من مجالس السوء وقد نهي عن أن يجلس الإنسان مجلساً لا يذكر الله فيه ولا يصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلّم ويكون ذلك المجلس حسرة عليه يوم القيامة وفي الحديث :"من جلس مجلساً كثر فيه لغطه، فقال : قبل أن يقوم من مجلسه ذلك، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك غفر له ما كان في مجلسه ذلك" فعلى العاقل أن يكون رطب اللسان بالذكر والدعاء والاستغفار دائماً خصوصاً في الأوقات المباركة روي أن النبي عليه السلام بعث بعثاً إلى نجد فغنموا وأسرعوا، وقال رجل : ما رأينا بعثاً أفضل غنيمة وأسرع رجعة فقال النبي عليه السلام :"ألا أدلكم على قوم أفضل غنيمة وأسرع رجعة الذين شهدوا صلاة الصبح ثم جلسوا يذكرون الله حتى تطلع الشمس،
٣٥٢
ثم يصلون ركعتين ثم يرجعون إلى أهاليهم وهي صلاة الإشراق وهو أول وقت الضحى وذلك بعد أن تطلع الشمس ويصلي ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة".
ذكر في "شرح المصابيح" أن في قوله :"ثم قعد يذكر الله تعالى" دلالة على أن المستحب في هذا الوقت إنما هو ذكر الله تعالى لا القراءة ؛ لأن هذا وقت شريف وأن للمواظبة للذكر فيه تأثيراً عظيماً في النفوس.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥١
وقال في "المنية" : ناقلاً عن جمع العلوم ومن وقت الفجر إلى طلوع الشمس ذكر الله تعالى أولى من القراءة، ويؤيده ما ذكره في "القنية" من أن الصلاة على النبي عليه السلام والدعاء والتسبيح أفضل من قراءة القرآن في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها وعن النبي صلى الله عليه وسلّم "ألا أدلكم على ساعة من ساعات الجنة الظل فيها ممدود، والرزق فيها مقسوم، والرحمة فيها مبسوطة، والدعاء مستجاب؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس" قال علي المرتضى رضي الله عنه مر النبي عليه السلام بعائشة رضي الله عنها قبل طلوع الشمس وهي نائمة فحركها برجله فقال :"قومي لتشاهدي رزق ربك ولا تكوني من الغافلين إن الله يقسم أرزاق العباد بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس" واختلف في أن التهليل والتسبيح ونحوهما بمجرد القلب أفضل أو باللسان مع حضور القلب.
احتج من رجح الأول بأن عمل السر أفضل واحتج من رجح الثاني بأن العمل فيه أكثر فافتضى زيادة والصحيح هو الثاني ذكره النووي في "شرح مسلم" والذكر الكثير ما كان بصفاء القلب فصفاء القلب جنة العارف في الدنيا، فإنه يجاوز بذكر الله تعالى عن جحيم النفس الأمارة وهاويتها فيترقى إلى نعيم الحضور.
قال أبو بكر الفرغاني : كنت أسقط في بعض الأيام عن القافلة، فقلت : يا رب لو علمتني الاسم الأعظم فدخل على رجلان، وقال : أحدهما للآخر الاسم الأعظم أن تقول : يا الله ففرحت به، فقال ليس كما تقول بل بصدق اللجأ، أي : الالتجاء والاضطرار كما يقول من كان في لجة البحر ليس ملجأ غير الله.
واعلم : أن الجهاد من أعظم الطاعات ولذلك لا يجتمع غبار المجاهد مع دخان جهنم وبخطوة من المجاهد يغفر ذنب وبأخرى تكتب حسنة، ولكن ينبغي للمجاهد أن يصحح نيته ويثبت في مواطن الحرب فإن بثبات القلب والقدم يتبين أقدار الرجال، كما كان للصديق رضي الله عنه حين صدمته الوجيعة بوفاة رسول الله حين قال "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد رب محمد فإنه حي لا يموت" ويجتنب عن الظلم وارتكاب المعاصي فإن الغلبة على الأعداء بالقوة القدسية والتأييد الإلهي لا بالقوة الجسمانية وكثرة العدد والعدد، ألا يرى إلى الله تعالى كيف أيد المؤمنين بالملائكة في غزوة بدر مع قلتهم وكثرة الكافرين فالذين جاهدوا في سبيل الله بالتقى والصبر والثبات فقد غلبوا على الأعداء ووصلوا إلى الدرجات.
كه شتاب و صرصر كه قرار وكوه
كه نشيب كبوتركه فراز عقاب
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥١
واستعرض الاسكندر جنده فتقدم إليه رجل بفرس أعرج فأمر بإسقاطه فضحك الرجل فاستعظم ضحكه في ذلك المقام، فقال له ما أضحكك؟ وقد أسقطتك؟ قال : العجب منك قال كيف قال تحتك آلة الهرب وتحتي آلة الثبات ثم تسقطني فأعجب بقوله وأثبته.
ثم اعلم أن الفئة الباغية ظاهرة كالطائفة الكافرة والجماعة الفاجرة وباطنة كطائفة القوى النفسانية وجماعة النفس الأمارة، فكما أن المؤمن مأمور بالثبات عند ظهور الفئة الباغية الظاهرة فكذلك مأمور بالثبات عند ظهور الفئة الباغية
٣٥٣