والإشارة : أن فرعون وقومه اختصوا بالاستغراق في بحر الهلاك عن غيرهم لادعاء فرعون الربوبية وإقرار قومه وتصديقهم إياه بها وهذا غاية فساد جوهر الروحانية باستيلاء الصفات النفسانية، وكل ممن كفر بالله وكذب بآياته كانوا
٣٦٠
ظالمي أنفسهم لإفساد استعدادهم وإن لم يبلغوا في الظلم والكفر ما بلغ فرعون وقومه فعليك بمحافظة الاستعداد الفطري وإكثار الشكر عليه وإياك وشؤم المعاملات السيئة المؤدية إلى الإفساد والإهلاك ولا يحملك العناد على مخالفة الحق وعدم قبوله فإنه لا ينبغي لأحد خصوصاً للسلاك.
كسى راكه ندار درسربود
مندار هركزكه حق بشنود
قال الإمام الغزالي قدس سره : إن النعمة إنما تسلب ممن لا يعرف قدرها وأقنع في هذا الباب بمثال ملك يكرم عبداً له فيخلع عليه خاصة ثيابه ويقربه منه ويجعله فوق سائر حجابه وخدامه ويأمره بملازمة بابه ثم يأمر أن يبتنى له في موضع آخر القصور وتوضع له الأسرة وتنصب له الموائد وتزين له الجواري ويقام له الغلمان حتى إذا رجع من الخدمة أجلس هنالك ملكاً مخدوماً مكرّماً وما بين حال خدمته إلى ملكه وولايته إلا ساعة من نهار أو أقل فإن أبصر هذا العبد بجانب باب الملك سائساً للدواب يأكل رغيفاً أو كلباً يمضع عظماً فجعل يشتغل عن خدمة الملك بنظره إليه وإقباله عليه ولا يلتفت إلى ما له من الخلع والكرامة فيسعى إلى ذلك السائس ويمد يده ويسأله كسرة من رغيفه أو يزاحم الكلب على العظم ويعظمهما ويعظم ما هما فيه أليس الملك إذا نظر إليه على مثل هذه الحالة، يقول هذا السفيه لم يعرف حق كرامتنا ولم ير قدر إعزازنا إياه بخلعنا والتقرب إلى حضرتنا مع صرفنا إليه من عنايتنا وأمرنا له من الذخائر وضروب الأيادي ما هذا إلا ساقط عظيم الجهل قليل التمييز اسلبوه الخلع واطردوه عن بابنا، فهذا حال العالم إذا مال إلى الدنيا والعابد إذا اتبع الهوى فعليك أيها الرجل ببذل المجهود حتى تعرف نعم الله تعالى عليك واحذر من أن تكون النعمة نقمة والولاء بلاء والعز ذلاً والإقبال إدباراً واليمين يساراً فإن الله تعالى غيور.
وفي "المثنوي" :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٠
هركه شد مرششاه را او جامه وار
هست خسران بهر حشاهش اتجار
هركه باسلطان شود او همنشين
بر درش شستن بود حيف وغبين
دست وسش ون رسيد از ادشاه
كر كزيند بوس اباشد كناه
كره سر برانهادن خدمتست
يش آن خدمت خطا وزلتست
شاه را غيرت بود بر هركه او
بو كزيند بعد ازانكه ديدرو
والمقصود : أن من عرف الله وعرف قدر نعمته عليه ترك الالتفات إلى الدنيا بل إلى الكونين فإن الله أجل من كل شيء وذكره أفضل من كل ذكر وكلام.
وحكي أن سليمان بن داود عليهما السلام مر في موكبه والطير تظله والدواب من الوحوش والأنعام والجن والإنس وسائر الحيوانات عن يمينه ويساره فمر بعابد من عباد بني إسرائيل، فقال والله يا ابن داود لقد آتاك الله ملكاً عظيماً فسمع ذلك سليمان فقال لتسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أعطي ابن داود فإن ما أعطي ابن داود يذهب والتسبيحة تبقى فهذا إرشاد عظيم لمن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وتوجه إلى الحضرة العليا فارغاً عن شواغل الدنيا.
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ﴾
٣٦١
أي : شر ما يدب على الأرض ويتحرك من الحيوانات.
﴿عِندَ اللَّهِ﴾ أي : في حكمه وقضائه.
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي : أصروا على الكفر ورسخوا فيه.
﴿فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ فلا يتوقع منهم إيمان لكونهم من أهل الطبع وجعلوا شر الدواب لا شر الناس إيماء إلى أنهم بمعزل عن مجانستهم وإنما هم من جنس الدواب ومع ذلك هم شر من جيمع أفرادها كما قال تعالى :﴿{إِنْ هُمْ إِلا كَالانْعَـامِا بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾.
دريغ آدمى زاده رمحل
كه باشد وانعام بل هم اضل
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٠


الصفحة التالية
Icon