﴿الَّذِينَ عَـاهَدتَّ مِنْهُمْ﴾ بدل من الموصول الأول بدل البعض للبيان أو للتخصيص، أي : الذين أخذت منهم عهدهم فمن لابتداء الغاية.
﴿ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ﴾ الذي أخذته منهم عطف على عاهدت.
﴿فِي كُلِّ مَرَّةٍ﴾ من مرات المعاهدة.
﴿وَهُمْ لا يَتَّقُونَ﴾ أي : يستمرون على النقض والحال إنهم لا يتقون سيئة الغدر ولا يبالون فيه من العار والنار وهم يهود قريظة عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أن لا يعينوا عليه عدواً فنقضوا العهد وأعانوا أهل مكة يوم بدر بالسلاح ثم قالوا نسينا وأخطأنا ثم عاهدهم مرة أخرى فنكثوا ومالؤوهم عليه يوم الخندق أي ساعدوا وعاونوا وذلك إنهم لما رأوا غلبة المسلمين على المشركين يوم بدر قالوا إنه هو النبي الموعود بعثه في آخر الزمان فلا جرم يتم أمره ولا يقدر أحد على محاربته ثم إنهم لما رأوا يوم أحد ما وقع من نوع ضعف المسلمين شكوا وقد كان احترق كبدهم بنار الحسد من ظهور دينه وقوة أمره فركب كعب بن أسد سيد بني قريظة مع أصحابه إلى مكة وواثقوا المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأدى ذلك إلى غزوة الخندق، وفيه ذم بطريق الإشارة للذين عاهدوا الله على ترك المعاصي والمنكرات ثم نقضوا العهد مرة بعد أخرى.
نه مارا درميان سهد وفابود
جفا كردى وبد عهدي نمودى
هنوزت ارسر صلحست باز آي
كزان محبوبتر باشى كه بودى
﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ﴾ ثقفه كسمعه صادفه أو أخذه أو ظفر به أو أدركه كما في "القاموس" وإما مركبة من إن للشرط وما للتأكيد، أي : فإذا كان حالهم كما ذكر فإما تصادفنهم وتظفرنّ بهم.
﴿فِى الْحَرْبِ﴾ أي : في تضاعيفها.
﴿فَشَرِّدْ﴾ فرق.
قال الكاشفي :(س رميده كردان ومتفرق ساز) ﴿بِهِم﴾ أي بسبب قتلهم ﴿مَّنْ خَلْفَهُمْ﴾ مفعول شرد أي من وراءهم من الكفرة من أعدائك، والتشريد : الطرد وتفريق الشمل وتبديد الجمع، يعني : إن صادفت هؤلاء الناقضين في الحرب افعل بهم وأوقع فيهم من النكاية والقهر ما يضطرب به حالهم ويخاف منك أمثالهم بحيث يذهب عنهم بالكلية ما يخطر ببالهم من مناصبتك، أي : معاداتك ومحاربتك ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ أي : لعل المشردين وهم من خلفهم يتعظون بما شاهدوا مما نزل بالمنافقين فيرتدعون عن النقض أو عن الكفر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٢
نرود مرغ سوى دانه فراز
ون دكر مرغ بيند اندر بند
ند كيراز مصائب دكران
تانكيرند ديكران زتوند
﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ﴾ تعلمن فالخوف مستعار للعلم.
﴿مِن قَوْمٍ﴾ من المعاهدين ﴿خِيَانَةً﴾ نقض
٣٦٢
عهد فيما سيأتي بما لاح لك منهم من علامات الغدر.
﴿فَانابِذْ إِلَيْهِمْ﴾ أي : فاطرح إليهم عهدهم حال كونك.
﴿عَلَى سَوَآءٍ﴾ أي : ثابتاً على طريق سويّ في العداوة بأن تظهر لهم النقض وتخبرهم أخباراً مكشوفاً بأنك قد قطعت ما بينك وبينهم من الوصلة، فلا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد كيلا يكون من قبلك شائبة خيانة أصلاً فالجار متعلق بمحذوف وهو حال من النابذ أو على استواء في العلم بنقض العهد بحيث يستوي فيه أقصاهم وأدناهم فهو حال من المنبوذ إليهم أو تستوي فيه أنت وهم فهو حال من الجانبين.
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَا ـاِنِينَ﴾ تعليل للأمر بالنبذ على طريقة الاستئناف كأنه قيل : لِمَ أمرتنا بذلك ونهيتنا عن المحاربة قبل نبذ العهد فأجيب بذلك ويحتمل أن يكون طعناً على الخائنين الذين عاهدهم الرسول عليه السلام كأنه قيل : وإما تعلمن من قوم خيانة فانبذ إليهم ثم قاتلهم.
(إن الله لا يحب الخائنين) وهم من جملتهم لما علمت حالهم.
واعلم أن النبذ إنما يجب على الإمام إذا ظهرت خيانة المعاهدين بأمارات ظنية وأما إذا ظهر أنهم نقضوا العهد ظهوراً مقطوعا به فلا حاجة إلى نبذ العهد كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأهل مكة لما نقضوا العهد بقتل خزاعة وهم في ذمة النبي عليه السلام، ولما أمر الله بنبذ العهد والتصريح به قبل المحاربة خطر بالبال أن يقال : كيف نوقظ العدو ونعلمهم بطرح العهد إليهم قبل المحاربة مع أنهم إن علموا ذلك إما أن يتأهبوا للقتال ويستجمعوا أقصى ما يمكن لهم من أسباب التقوى والغلبة أو يفروا ويتخلصوا وعلى التقديرين يفوت المقصود وهو الانتقام منهم أما يكفي لصحة المحاربة معهم بغير نبذ العهد إليهم وإعلامهم به ظهور أمارات الخيانة منهم فأزاح الله تعالى هذا المحذور بقوله :