﴿وَلا يَحْسَبَنَّ﴾ أي : لا يظن ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وهو فاعل والمفعول الأول محذوف أي أنفسهم حذف هرباً من تكرار ذكرهم.
﴿سَبَقُوا﴾ مفعول ثاننٍ، أي : فاتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم ويدخل فيه من لم يظفر به يوم بدر وغيره من معارك القتال من الذين آذوه عليه السلام وبالغوا في عصيانه.
﴿إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ﴾ تعليل للنهي على سبيل الاستئناف المبني على تقدير السؤال، أي : لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزاً عن إدراكهم على أن همزة أعجز لوجود المفعول على فاعلية أصل الفعل وهو العجز، كما تقول أبخلته إذا وجدته بخيلاً يقال أعجزه الشيء إذا فاته وأعجزت الرجل إذا وجدته عاجزاً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٢
وفي الآية : تهديد للنفوس التي اجترأت على المعاصي وهي في الحقيقة مجترئة على الله تعالى.
وعن السري السقطي رضي الله عنه قال : كنت يوماً أتكلم بجامع المدينة فوقف عليّ شاب حسن الشباب، فأخر الثياب ومعه أصحابه فسمعني أقول في وعظي عجباً لضعيف يعصي قوياً فتغير لونه.
وانصرف فلما كان الغد جلست في مجلسي، وإذا به قد أقبل فسلم وصلى ركعتين وقال يا سري : سمعتك بالأمس تقول عجباً لضعيف كيف يعصي قوياً فما معناه؟ قلت : لا أقوى من الله ولا أضعف من العبد وهو يعصيه.
كره شاطر بود حروس بجنك
ه زند يش باز رويين نك
فنهض وخرج ثم أقبل من الغد وعليه ثوبان أبيضان وليس معه أحد، فقال : ياسري كيف الطريق إلى الله فقلت : إن أردت العبادة فعليك بصيام النهار وقيام الليل، وإن أردت الله فاترك
٣٦٣
كل شيء سواه تصل إليه وليس إلا المساجد والخراب والمقابر، فقام وهو يقول والله لاسلكت إلا أصعب الطرق وولى خارجاً، فلما كان بعد أيام أقبل إليّ غلمان كثير فقالوا ما فعل أحمد بن يزيد الكاتب؟ فقلت : لا أعرف إلا رجلاً جاءني من صفته كذا وكذا وجرى لي معه كذا وكذا ولا أعلم حاله، فقالوا : بالله عليك متى عرفت حاله فعرفنا ودلنا على داره فبقيت سنة لا أعرف حاله ولا أعرف له خبراً، فبينا أنا ذات ليلة بعد العشاء الأخيرة جالس في بيتي إذا بطارق يطرق الباب، فأذنت له في الدخول فإذا بالفتى عليه قطعة من كساء في وسطه وأخرى على عاتقه ومعه زنبيل فيه نوى فقبل بين عيني، وقال يا سري أعتقك الله من النار كما أعتقتني من رق الدنيا فأومأت إلى صاحبي أن امض إلى أهله فأخبرهم فمضى فإذا زوجته قد جاءت ومعها ولده وغلمانه فدخلت وألقت الولد في حجره وعليه حلي وحلل، وقالت له يا سيدي أرملتني وأنت حي وأيتمت ولدك وأنت حي، قال السري : فنظر إليّ فقال يا سري ما هذا وفاء ثم أقبل عليها وقال والله إنك لثمرة فؤادي وحبيبة قلبي وإن هذا ولدي لأعز الخلق عليّ غير أن هذا السري أخبرني أن من أراد الله قطع كل ما سواه ثم نزع ما على الصبي وقال ضعي هذا في الأكباد الجائعة والأجساد العارية وقطع قطعة من كسائه فلف فيها الصبي فقالت المرأة لا أرى ولدي في هذه الحالة وانتزعته منه فحين رآها قد اشتغلت به نهض وقال ضيعتم عليّ ليلتي بيني وبينكم الله، وولى خارجاً وضجت الدار بالبكاء، فقالت : إن عاد يا سري وسمعت له خبراً فأعلمني، فقلت إن شاء الله فلما كان بعد أيام أتتني عجوز فقالت يا سري بالشونيزية غلام يسألك الحضور فمضيت فإذا به مطروح تحت رأسه لبنة فسلمت عليه ففتح عينيه، وقال لمثل هذا فليعمل العاملون ثم مات فأخذت الدراهم فاشتريت ما يحتاج إليه ثم سرت نحوه، فإذا الناس يهرعون فقلت : ما الخبر فقيل مات ولي من أولياء الله نريد أن نصلي عليه.
فجئت فغسلته ودفناه فلما كان بعد مدة وفد أهله يستعلمون خبره فأخبرتهم بموته فأقبلت امرأته باكية فأخبرتها بحاله فسألتني أن أريها قبره، قلت أخاف أن تغيروا أكفانه قالت لا والله، فأريتها القبر فبكت وأمرت بإحضار شاهدين فأحضرا فأعتقت جواريها ووقفت عقارها وتصدقت بمالها ولزمت قبره حتى ماتت رحمة الله عليهما.
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ
كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٢
﴿وَأَعِدُّوا﴾ (وآماده سازيد اي مؤمنان) ﴿لَهُمْ﴾ أي لقتال الكفار وهيئوا لحرابهم.
﴿مَّا اسْتَطَعْتُم﴾ أي : ما استطعتموه حال كونه.
﴿مِّن قُوَّةٍ﴾ من كل ما يتقوى به في الحرب كائناً ما كان من خيل وسلاح وقسي وغيرها.
الحصر المستفاد من تعريف الطرفين في قوله عليه السلام :"ألا إن القوة الرمي" من قبيل حصر الكمال لأن الرمي أكمل أفراد ما يتقوى به في الحرب.
روي أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رمى يوم أحد ألف سهم ما منها
٣٦٤
سهم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلّم قال :"فداك أبي وأمي يا سعد".
كره بعض العلماء تفدية المسلم بأبويه المسلمين قالوا إنما فداه عليه السلام بأبويه لأنهما كانا كافرين.