قال النووي : الصحيح أنه جائز مطلقاً لأنه ليس فيه حقيقة الفداء وإنما هو تلطف في الكلام وإعلام بمحبته وفي الحديث فضيلة الرمي والدعاء لمن فعل خيراً وجاء في الحديث :"إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير، والمهدى له والرامي به" وفي الحديث :"من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة" ومن رمى بسهم في سبيل الله فبلغ العدو أو لم يبلغ كان له : كعتق رقبة مؤمنة كانت له فداء من النار عضواً بعضو" وفي الحديث :"من مشى بين الغرضين كان له بكل خطوة حسنة" والغرض بفتح الغين المعجمة والراء بعدهما الضاد المعجمة هو ما يقصده الرماة بالإصابة وفي الحديث :"كل شيء ليس من ذكر الله تعالى فهو لهو إلا أربع خصال مشى الرجل بين الغرضين وتأديب فرسه وملاعبة أهله وتعليم السباحة" (رمى برسه كونه است.
رمى ظاهر به تيروكمان.
ورمى باطن به تيرآه درصبحكاه ازكمان خضوع.
ورمى سهام حظوظ ازدل وتوجه بحق وفراغت ازماسوى).
قال الحافظ :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٤
نيست برلوح دلم جز الف قامت دوست
ه كنم حرف دكر يا دنداد استادم
واعلم أن صاحب المجاهدة الباطنة يتقوى على قتال النفس وهواها بذكر الله تعالى فهو القوة في حقه.
﴿وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾ فعال بمعنى مفعول كلباس بمعنى ملبوس.
فرباط الخيل بمعنى خيل مربوطة كما قيل جرد قطيفة بمعنى قطيفة جرد أضيف العام إلى الخاص للبيان أو التخصيص كخاتم فضة وعطفها على القوة مع كونها من جملتها للإيذان بفضلها على بقية أفرادها كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة.
ويقال إن الجن لا تدخل بيتاً فيه فرس ولا سلاح وفي الحديث :"من نقى شعيراً لفرسه ثم جاء به حتى يعلفه كتب الله له بكل شعيرة حسنة" والفرس يرى المنامات كبني آدم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن الفرس يقول : إذا التقت الفئتان سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح ولذلك كان لهم في الغنيمة سهمان وفي الحديث :"عليكم بإناث الخيل فإن ظهورها حرز وبطونها كنز" وفي الحديث :"من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً به وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة" يعني : كفة حسناته.
قال موسى : للخضر، أي الدواب أحب إليك؟ قال : الفرس والحمار والبعير، لأن الفرس مركب أولي العزم من الرسل والبعير مركب هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام والحمار مركب عيسى وعزير عليهما السلام وكيف لا أحب شيئاً أحياه الله تعالى بعد موته قبل الحشر.
واعلم أن الخيل ثلاثة : فرس للرحمن وهو ما اتخذ في سبيل الله وقتل عليه أعداء الله.
وفرس للإنسان : وهو ما يلتمس بطنه وهو ستر من الفقر، وفرس للشيطان : وهو ما يقامر عليه ويراهن.
﴿تُرْهِبُونَ بِهِ﴾ حال من فاعل أعدوا، أي حال : كونكم مرهبين مخوفين بالأعداد.
﴿عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ وهم كفار مكة خصوا بذلك من بين الكفار مع كون الكل كذلك لغاية عتوهم ومجاوزتهم الحد في العداوة، وفيه إشارة إلى أن المجاهد الباطني يرهب بالذكر والمراقبة أعدى العدو وهو النفس والشيطان.
﴿وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ﴾ أي : ترهبون به أيضاً عدواً آخرين من غيرهم من الكفرة
٣٦٥
كاليهود والمنافقين والفرس ومنهم كفار الجن فإن صهيل الفرس يخوفهم.
﴿لا تَعْلَمُونَهُمُ﴾ العلم بمعنى المعرفة لتعديته إلى مفعول واحد ومتعلق المعرفة هو الذات، أي : لا تعرفونهم بأعيانهم ولو كان النسب كالعلم لكان المعنى لا تعرفونهم من حيث كونهم أعداء ﴿اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ أي : يعرفهم لا غيره تعالى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٤
فإن قلت المعرفة تستدعي سبق الجهل فلا يجوز إسنادها إلى الله تعالى؟.
قلت : المراد بالمعرفة في حقه تعالى مجرد تعلق علمه بالذوات دون النسب مع قطع النظر عن كونها مجهولة قبل تعلقه بها ودلت الآية على أن الإنسان لا يعرف كل عدو له.
آدمى را دشمن نهان بسيست
آدميّ باحذر عاقل كسيست


الصفحة التالية
Icon