﴿وَمَا﴾ شرطية ﴿تُنفِقُوا مِن شَىْءٍ﴾ لإعداد العتاد قلّ أو جلّ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الذي أوضحه الجهاد.
﴿يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ أي جزاؤه كاملاً.
﴿وَأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾ بترك الإثابة أو بنقص الثواب والتعبير عن تركها بالظلم مع أن الأعمال غير موجبة للثواب حتى يكون ترك ترتيبه عليها ظلماً لبيان كمال نزاهته سبحانه عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى من القبائح وإبراز الإثابة في معرض الأمور الواجبة عليه تعالى.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتى بفرس يجعل كل خطوة منه أقصى بصره، فسار وسار معه جبريل عليه السلام فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم كلما حصدوا شيئاً عاد كما كان فقال :"يا جبريل من هؤلاء" قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه" وفي الحديث :"من أعان مجاهداً في سبيل الله أو غارماً في عسرته أو مكاتباً في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله".
قال الحافظ :
أحوال كنج قارون كأيام داد برباد
باغنه بازكوييد نازا نهان ندارد
وقال أيضاً :
ه وزخى ه هشتى ه آدمى ه ملك
بمذهب همه كفر طريقتست امساك
﴿وَإِن جَنَحُوا﴾ الجنوح الميل ومنه الجناح لأن الطائر يميل به إلى أي جهة شاء ويعدى باللام وإلى، أي : مال الكفار.
﴿لِلسَّلْمِ﴾ للصلح والاستسلام بوقوع الرهبة في قلوبهم بمشاهدة ما لكم من الاستعداد واعتاد العتاد.
﴿فَاجْنَحْ لَهَا﴾ أي : للسلم والتأنيث لحمله على نقيضه الذي هو الحرب وهي مؤنثة أو لكونه بمعنى المسالمة أي : مصالحة ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ أي : لا تخف من إبطان مكرهم في الصلح فإن الله يعصمك.
﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ﴾ فيسمع ما يقولون في خلواتهم من مقالات الخداع.
﴿الْعَلِيمُ﴾ فيعلم نياتهم فيؤاخذهم بما يستحقونه ويرد كيدهم في نحرهم، والآية : عامة لأهل الكتاب وغيرهم.
والأمر في قوله :(فاجنح) للإباحة والأمر فيه مفوض لرأي الإمام وليس يجب عليه أن يقاتلهم أبداً ولا أن يسعفهم إلى الصلح عند طلبهم ذلك أبداً، بل يبنى الأمر على ما فيه صلاح المسلمين فإذا كان للمسلمين قوة فلا ينبغي أن يصالحهم وينبغي أن يحاربهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وإن رأى المصلحة في المصالحة ومال إليها لا يجوز أن يصالحهم سنة كاملة إلا إذا كانت القوة والغلبة للمشركين فحينئذٍ جاز له أن يصالحهم عشر سنين ولا تجوز الزيادة عليها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنه عليه السلام فعل كذلك ثم
٣٦٦
إنهم نقضوا العهد قبل تمام المدة وكان ذلك سبباً لفتح مكة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿وَإِن يُرِيدُوا﴾ أي : الذين يطلبون منك الصلح.
﴿أَن يَخْدَعُوكَ﴾ بإظهار الصلح لتكف عنهم.
﴿فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ﴾ فإن محسبك الله وكافيك من شرورهم وناصرك عليهم يقال أحسبني فلان أي أعطاني حتى أقول : حسبي ﴿هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ﴾ أي : قواك بإمداد من عنده بلا واسطة سبب معلوم مشاهد.
﴿وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ من المهاجرين والأنصار ثم إنه تعالى بيّن كيف أيده بالمؤمنين فقال.
﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ (ويوند افكند بدوستى ميان دلهاي ايشان) مع ما كان بينهم قبل ذلك من العصبية والضغينة والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان وكان إذا لطم رجل من قبيلة لطمة قاتل عنها قبيلته حتى يدركوا ثاره فكان دأبهم الخصومة الدائمة والمحاربة، ولا تتوقع بينهم الألفة والاتفاق أبداً فصاروا بتوفيقه تعالى كنفس واحدة هذا من أبهر معجزاته عليه السلام.
قال الكاشفي :(أوس وخزرج صد وبيست سال درميان ايشان تعصب وستيزه بود همواره بقتل وغارت هم اشتغال مي نمودند حق تعالى ببركت تودلهاى ايشانرا الفت داد).
يك حرف صوفيانه بكويم اجازتست
اي نور ديده صلح به ازجنك آورى
﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الارْضِ جَمِيعًا﴾ أي : التأليف ما بينهم.
﴿مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ أي : تناهت عدواتهم إلى حد لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم جميع ما في الأرض من الأموال والذخائر لم يقدر على التأليف والإصلاح.
﴿وَلَـاكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ قلباً وقالباً بقدرته الباهرة فإنه المالك للقلوب فيقلبها كيف يشاء.
﴿إِنَّه عَزِيزٌ﴾ كامل القدرة والغلبة لا يستعصى عليه شيء مما يريده ﴿حَكِيمٌ﴾ يعلم كيفية تسخير ما يريده.
واعلم : أن التودد والتألف والموافقة مع الإخوان من ائتلاف الأرواح وفي الحديث :"المؤمن ألف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف" وفي الحديث :"مثل المؤمنين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى وما التقى المؤمنان إلا استفاد أحدهما من صاحبه خيراً".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٤


الصفحة التالية
Icon