وقال أبو إدريس الخولاني لمعاذ إني أحبك في الله فقال : أبشر ثم أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول :"تنصب لطائفه من الناس كراسي حول العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر يفزع الناس وهم لا يفزعون ويخاف الناس وهم لا يخافون وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
فقيل من هؤلاء؟ يا رسول الله؟ فقال :"المتحابون في الله" قيل : لو تحاب الناس وتعاطوا المحبة لاستغنوا بها عن العدالة، فالعدالة خليفة المحبة تستعمل حيث لا توجد المحبة.
وقيل : طاعة المحبة أفضل من طاعة الرهبة فإن طاعة المحبة من داخل وطاعة الرهبة من خارج ولهذا المعنى كانت صحبة الصوفية مؤثرة من البعض في البعض لأنهم لما تحابوا في الله تواصوا بمحاسن الأخلاق ووقع القبول لوجود المحبة فانتفع لذلك المريد بالشيخ والأخ بالأخ، ولهذا المعنى أمر الله تعالى باجتماع الناس في كل يوم خمس مرات في المساجد من أهل كل درب وكل محلة، وفي الجامع في الأسبوع مرة من أهل كل بلد وانضمام أهل السواد إلى البلدان في الأعياد في جميع السنة مرتين وأهل الأقطار من البلدان في العمر مرة للحج كل ذلك لحكم بالغة منها تأكيد الألفة والمودة بين المؤمنين وفي الحديث :"ألا إن
٣٦٧
مثل المؤمنين في توادهم وتحابهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى".
قال السعدي قدس سره :
بنى آدم أعضاي يكديكرند
كه در آفرينش زيك جوهرند
و عضوي بدرد آوردروزكار
دكر عضو هارا نماند قرار
والتألف والتودد يؤكد الصحبة مع الأخيار مؤثرة جداً بل مجرد النظر إلى أهل الصلاح يؤثر صلاحاً والنظر في الصور يؤثر أخلاقاً مناسبة لخلق المنظور إليه كدوام النظر إلى المحزون يحزن ودوام النظر إلى المسرور يسر.
وقد قيل من لا ينفعك لحظه لا ينفعك لفظه والجمل الشرود يصير ذلولاً بمقارنة الجمل الذلول فالمقارنة لها تأثير في الحيوان والنبات والجماد والماء والهواء يفسدان بمقارنة الجيف والزروع تنقى من أنواع العروق في الأرض والنبات لموضع الإفساد بالمقارنة وإذا كانت المقارنة مؤثرة في هذه الأشياء ففي الصور الشريفة البشرية أكثر تأثيراً.
وقيل : سمي الإنسان إنساناً لأنه يأنس بما يراه من خير أو شر والتألف والتودد مستجلبان للمزيد وإنما العزلة والوحدة تحمد بالنسبة إلى أراذل الناس وأهل الشر فأما أهل العلم والصفاء والوفاء والأخلاق الحميدة فتغتنم مقارنتهم والاستئناس بهم استئناس بالله تعالى كما أن محبتهم من محبة الله تعالى والجامع معهم رابطة الحق ومع غيرهم رابطة الطبع فالصوفي مع غير الجنس كائن بائن ومع الجنس كائن معاين والمؤمن مرآة المؤمن إذا التقى مع أخيه يستشف من وراء أقواله وأعماله وأحواله تجليات إلهية وتعريفات وتلويحات من الله الكريم خفية غابت عن الأغيار وأدركها أهل الأنوار كذا في "عوارف المعارف".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٤
يقول الفقير، أصلحه الله القدير : سمعت من بعض العلماء المتورعين والمشايخ المتزهدين ممن له زوجتان متباغضتان أنه قال قرأت هذه الآية وهي قوله تعالى :﴿هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ﴾ (الأنفال : ٦٢) إلى آخرها على ماء في كوز ونفخت فيه ثم أشربته إياهما فوقع التودد والألفة بينهما بإذن الله تعالى وزال التباغض والتنافر إلى الآن.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٤
يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ} المخبر عن الله تعالى المرتفع شأنه ﴿حَسْبَكَ اللَّهُ﴾ أي كافيك في جميع أمورك ﴿وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الواو بمعنى مع، أي : كفاك وكفى أتباعك ناصراً كقولك حسبك وزيداً درهم أو عطف على اسم الله تعالى أي كفاك الله والمؤمنون والكافي الحقيقي هو الله تعالى وإسناد الكفاية إلى المؤمنين لكونهم أسباباً ظاهرة لكفاية الله تعالى.
والآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال تقوية للحضرة النبوية وتسلية للصحابة رضي الله عنهم فالمراد بالمؤمنين الأنصار.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٨
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في إسلام عمر رضي الله عنه فتكون الآية مكية كتبت في سورة مدنية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم روي أنه أسلم مع النبي عليه السلام ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة ثم أسلم عمر رضي الله عنه فكمل الله الأربعين بإسلامه فنزلت وكان صلى الله عليه وسلّم يدعو ويقول :"اللهم أعز الإسلام" وفي رواية "أيد الإسلام بأحد الرجلين إما بأبي جهل بن هشام وإما بعمر بن الخطاب" وكان دعاؤه بذلك يوم الأربعاء فأسلم عمر رضي الله عنه يوم الخميس وكان وقتئذٍ ابن ست وعشرين سنة وسبقه حمزة بن عبد المطلب بالإسلام بثلاثة أيام أو بثلاثة أشهر.
روي أنه لما نزل
٣٦٨


الصفحة التالية
Icon