﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ﴾ ـ ـ روي ـ ـ أنهم أمسكوا عن الغنائم فقال تعالى قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتموه (از آنه غنيمت كرفتيد وفديه ازان جمله است) ﴿حَلَـالا﴾ حال من المغنوم وفائدته إزاحة ما وقع في نفوسهم من عدم حل المغنوم بسبب تلك المعاتبة فإن من سمع العتاب المذكور وقع في قلبه اشتباه في أمر حله ﴿طَيِّبًا﴾ الطيب المستلذ ويوصف الحلال بذلك على التشبيه فإن المستلذ ما لا يكون فيه كراهية في الطبع وكذا الحلال ما لا يكون فيه كراهية في الدين.
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي : في مخالفة أمره ونهيه ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فيغفر لكم ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل ورود الإذن فيه ويرحمكم ويتوب عليكم إذا اتقيتموه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٢
قال الكاشفي :(رحيم مهر بانست كه غنيمت برشما حلال كرده وبرامم ديكر حرام بوده) كما قال ابن عباس رضي الله عنهما كانت الغنائم حراماً على الأنبياء فكانوا إذا أصابوا مغنماً جعلوه للقربان فكانت تنزل نار من السماء فتأكله ولله تعالى عنايات لهذه الأمة لا تحصى.
روي عن النبي عليه السلام أنه قال لآدم ليلة المعراج "أنت خير الناس لأن الله تعالى قد فعل معك ستة أشياء : خلقك بيده.
وأكرمك بالعلم.
وأسجد لك ملائكته.
ولعن من لم يسجد لك.
وكرمك بامرأة منك حواء.
وأباح لك الجنة بحذافيرها" فقال : لا بل أنت خير الناس لأنه أعطاك ستة أشياء لم يعطها أحداً غيرك : جعل شيطانك مسلماً.
وقهر عدوك.
وأعطاك زوجة مثل عائشة تكون سيدة نساء الجنة.
وأحيا جميع الأنبياء لأجلك.
وجعلك مطلعاً على سرائر أمتك.
وعامل أمتك بستة أشياء : أولها أخرجني من الجنة بمعصية واحدة ولا يخرج أمتك من المسجد بالمعصية.
ونزع مني الحلة ولم ينزع الستر من أمتك.
وفرق عني زوجتي ولا يفرق عن أمتك أزواجهم.
ونقص من قامتي ولا ينقص من قامتهم وفضحني بقوله وعصى آدم وستر على أمتك.
وبكيت مائتي سنة حتى غفر لي ويغفر لأمتك بعذر واحد".
قال السعدي قدس سره :
محالست اكر سر برين درنهى
كه بازآيدت دست حاجت نهى
بضاعت نياوردم الا اميد
خدايا زعفوم مكن نا اميد
٣٧٤
وينبغي للمؤمن أن يأخذ الحذر فإن عتاب الله تعالى إذا كان بهذه المرتبة في صورة الخطأ في الأمور الاجتهادية فما ظنك في عتابه بل بعقابه في الأمور العمدية المخالفة لكتاب الله تعالى، ألا ترى أن الهدهد لما خالف سليمان في الغيبة استحق التهديد والزجر والعقوبة، فإنك إن خالفت أمر سلطانك تستحق العقوبة، فإن أنت واظبت على الخدمة والطاعة أقمت عذرك وفي القصة بيان لزوم البكاء عند وقوع الخطأ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم وأبا بكر رضي الله عنه بكيا.
قيل : إن النار تقرب يوم القيامة فيشفع النبي صلى الله عليه وسلّم بالانصراف فلا تنصرف حتى يأتي جبريل بقدح من الماء ويقول اضربه على وجهها فيضربه فتفر النار فيقول :"يا جبرائيل من أين هذا الماء" فيقول إنه من دموع العصاة.
وفي "المثنوي" :
تانكريد ابر كى خندد من
تانكريد طفل كي جوشد لبنطفل يك روزه همي داند طريق
كه بكريم تارسد دايه شفيق
تونمى دانى كه دايه دايكان
كم دهد بى كريه شير اورا يكان
ون بر آرند ازشيماني انين
عرش لرزد ازانين المذنبين
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٢
يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ} من الألقاب المشرفة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أي يا أيها المخبر عن الله وعن أحكامه.
﴿قُل لِّمَن فِى أَيْدِيكُم مِّنَ الاسْرَى﴾ جمع أسير.
روي أنها نزلت في العباس بن عبد المطلب عم النبي عليه السلام وكان أسر يوم بدر وكان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام من خرج من مكة لحماية العير، وكان يوم بدر قد خرج بعشرين أوقية من ذهب ليطعم بها الكفار فوقع القتال قبل أن يطعم بها وبقيت العشرون أوقية معه فأخذت منه في الحرب فكلم النبي عليه السلام في أن يحتسب العشرين أوقية من فدائه فأبى وقال :"أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا أتركه لك" فكلفه أن يفدي نفسه بمائة أوقية زائداً على فداء غيره لقطع الرحم وكلفه أن يفدي أيضاً ابني أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث كل واحد بأربعين أوقية، فقال يا محمد تركتني أي صيرتني أتكفف قريشاً ما بقيت.
والتكفف : هو أن يمد كفه يسأل الناس يعني غنم المسلمون مالي وما بقي لي شيء حتى أفدي نفسي وابني أخوي فقال :"فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل" يعني : زوجته "وقت خروجك من مكة، وقلت لها : إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله والفضل وقثم" وهم أبناؤه فقال العباس : وما يدريك قال :"أخبرني به ربي" قال أشهد أنك صادق وأن لا إله إلا الله وأنك رسول الله والله لم يطلع عليه أحد إلا الله ولقد دفعته إليها في سواد الليل ولقد كنت مرتاباً في أمرك فأما إذ أخبرتني بذلك فلا ريب.
والآية وإن نزلت في حق العباس خاصة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أي قل للعباس وعقيل وغيرهما من الأسارى


الصفحة التالية
Icon