جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٥
﴿إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا﴾ إيماناً وإخلاصاً هذا الشك بالنسبة إلينا كما في قوله عليه السلام "إن كنت تعلم" في دعاء الاستخارة فإن معناه إن تعلق علمك وإرادتك فلما كان تعلق هذا العلم مشكوكاً بالنسبة إلى العبد عبر عن هذا المعنى بما ترى هكذا سمعته من حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة ﴿يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ﴾ من الفداء ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ قال العباس
٣٧٥
فأبدلني الله خيراً مما أخذ مني لي الآن عشرون عبداً وإن أدناهم ليضرب، أي : يتجر في عشرين ألف درهم وأعطاني سقاية زمزم ما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة أنجز لي أحد الوعدين، وأنا أرجو أن ينجز لي الوعد الثاني أي انتظر المغفرة من ربي فإنه لا خلاف في وعد الكريم.
خلاف وعده محالست كز كريم آيد
لئيم اكر نكند وعده وفاشايد
﴿وَإِن يُرِيدُوا﴾ يعني : الأسرى ﴿خِيَانَتَكَ﴾ أي : نقض ما عاهدوك عليه من الإسلام بالارتداد على دين آبائهم.
﴿فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ﴾ بكفرهم ونقض ما أخذ على كل عاقل من ميثاقه في الأزل.
﴿فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ أي : أقدر عليهم كما فعل يوم بدر فإن أعادوا الخيانة فيمكنك منهم أيضاً، يقال : مكنه من الشيء وأمكنه منه، أي : أقدره عليه فتمكن منه.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ فيعلم ما في نياتهم وما يستحقونه من العقاب.
برو علم يك ذره وشيده نيست
كه يدا ونهان بنزدش يكيست
﴿حَكِيمٌ﴾ يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه حكمته البالغة.
وفي بعض الروايات : إن العباس كان قد أسلم قبل وقعة بدر ولكن لم يظهر إسلامه لأنه كان له ديون متفرقة في قريش وكان يخشى إن أظهر إسلامه ضياعها عندهم وإنما كلفه النبي عليه السلام الفداء لأنه كان عليه ظاهراً لا له ولما كان يوم فتح مكة وقهرهم الإسلام أظهر إسلامه ولم يظهر النبي عليه السلام إسلام العباس رفقاً به كيلا يضيع ماله عند قريش وكان قد استأذن النبي عليه السلام في الهجرة فكتب إليه :"يا عم أقم مكانك الذي أنت فيه فإن الله تعالى يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة" فكان كذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٥
وفي الآية : بيان قدرة الله تعالى وأن مريد الخلاص من يد قهره في الدنيا والآخرة لا يجد إليه سبيلاً إلا بالإيمان والإخلاص فهو القادر القوي الخالق وما سواه العاجز الضعيف المخلوق.
وفي الخبر أن النبي عليه السلام قال :"إن الله تعالى قال : قل للقوي لا يعجبنك قوتك، فإن أعجبتك قوتك ادفع الموت عن نفسك، وقل للعالم لا يعجبنك علمك فإن أعجبك فأخبرني متى أجلك وقل للغني لا يعجبنك غناك فإن أعجبك فأطعم خلقي غداء واحداً".
وفي الآية : إشارة إلى النفوس المأسورة التي أسرت في الجهاد الأكبر عند استيلاء سلطان الذكر عليها والظفر بها إن اطمأنت إلى ذكر الله والعبودية والانقياد تحت أحكامه يؤتها الله نعيم الجنة ودرجاتها وهي خير من شهوات الدنيا ونعيمها وزينتها فإن الدنيا ونعيمها فانية والجنة ونعيمها باقية وخيانة النفس التجاوز عن حد الشريعة والطريقة.
يقال : إن متابعة سبعة أصناف أورثت سبعة أشياء.
الأول : إن متابعة النفس أورثت الندامة كما قال تعالى في قتل قابيل هابيل ﴿فَطَوَّعَتْ لَه نَفْسُه قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَه فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَـاسِرِينَ﴾ (المائدة : ٣٠).
والثاني : إن متابعة الهوى أورثت البعد كما قال لبلعام ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاه فَمَثَلُه كَمَثَلِ الْكَلْبِ﴾ (الأعراف : ١٧٦) يعني في البعد والخساسة.
والثالث : إن متابعة الشهوات أورثت الكفر كما قال تعالى :﴿وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِا فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ (مريم : ٥٩) يعني الكفر.
والرابع : أن متابعة فرعون أورثت الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة كما قال تعالى :﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ﴾ (هود : ٩٧) إلى قوله :﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ (هود : ٩٨).
والخامس : إن متابعة القادة الضالة أورثت الحسرة كما قال تعالى :﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا﴾ (البقرة : ١٦٦)إلى قوله :﴿كَذَالِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَـالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَـارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ (البقرة : ١٦٧).
والسادس : إن محبة النبي عليه السلام أورثت المحبة كما قال تعالى :
٣٧٦
﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾.
والسابع : إن متابعة الشيطان أورثت جهنم كما قال تعالى :﴿إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (الحجر : ٤٢ ـ ـ ٤٣).
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٥