﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ بالله تعالى وبمحمد عليه الصلاة والسلام وبالقرآن.
﴿وَهَاجَرُوا﴾ أوطانهم وهي مكة حباًولرسوله ﴿وَجَـاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ﴾ بأن صرفوها إلى الكراع والسلاح وأنفقوها على المحاويج.
﴿وَأَنفُسِهِمْ﴾ بمباشرة القتال واقتحام المعارك والخوض في المهالك ولعل تقديم الأموال على الأنفس ؛ لأن المجاهدة بالأموال أكثر وقوعاً وأتم دفعاً للحاجة حيث لا تتصور المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالمال هكذا في "تفسير الإرشاد".
يقول الفقير أصلحه الله القدير : وجه التقديم عندي أن المال من توابع النفس والوجود وتوابعها أقدم منها في البذل.
وفي الآية : أسلوب الترقي من الأدنى إلى الأعلى ولذا قال سادات الصوفية قدس الله أسرارهم بذل المال في مقابلة توحيد الأفعال وبذل الوجود في مقابلة توحيد ذات المعبود.
﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ متعلق بجاهدوا قيد لنوعي الجهاد والمراد بسبيل الله الطريق الموصل إلى ثوابه وجناته ودرجاته وقرباته وهو إنما يكون موصلاً بالإخلاص فبذل المال والنفس بطريق الرياء لا يوصل إلى رضى الله ذي العظمة والكبرياء اللهم اجعلنا من الذين جاهدوا في سبيلك لا في سبيل غيرك.
قال الشيخ المغربي قدس سره :
كل توحيد نرويد ززمينى كه درو
خار شرك وحسد وكبر ورياو وكين است
﴿وَالَّذِينَ ءَاوَوا﴾ النبي والمهاجرين معه أي أعطوهم المأوى وأنزلوهم ديارهم بالمدينة والإيواء الضم.
﴿وَّنَصَرُوا﴾ أي : نصروهم على أعدائهم وأعانوهم بالسيف على الكفار فالأول في حق المهاجرين والثاني في حق الأنصار والأنصار كالعلم للقبيلتين الأوس والخزرج، ولهذا جازت النسبة إلى لفظ الجمع حيث قالوا الأنصاري نسبة إلى الأنصار وسموا الأنصار لأنهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وواحد الأنصار نصير كشريف وأشراف.
قال السلطان سليم الأول :
شاهنشه آن كدا كه بودخاك راه او
آزاد بنده كه كرفتار مصطفاست
آن سينه شادكزغم اوساخت دل حزين
وآن جان عزيز كزى ايثار مصطفاست
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٥
﴿أولئك﴾ الموصوفون بما ذكر من النعوت الفاضلة ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ في الميراث وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنصرة دون الأقارب حتى نسخ بقوله :﴿وَأُوْلُوا الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ (الأنفال : ٧٥) أي : أولى بميراث بعض من الأجانب.
والحاصل إن التوارث في الابتداء بالهجرة والنصرة لا بمجرد القرابة فكان المهاجر يرثه أخوه الأنصاري إذا لم يكن بالمدينة وليّ مهاجري ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجري، واستمر أمرهم كذلك إلى أن فتحت مكة فسقطت فرضية الهجرة ثم توارثوا بالقرابة، فالأولياء : جمع ولي كصديق وأصدقاء والولي من الولي بمعنى القرب والدنو فكأنه قيل بعضهم أقرباء بعض لا قرابة بينهم وبين من لم يؤمن ولا بين من آمن ولم يهاجر كما قال تعالى :﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا﴾ كسائر المؤمنين ﴿مَا لَكُم مِّن وَلَـايَتِهِم مِّن شَىْءٍ﴾ أي : من توليهم في الميراث وإن كانوا من أقرب
٣٧٧
أقاربكم ﴿حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ ولما بين تعالى أن حكم المؤمن الذي لم يهاجر انقطاع الولاية بينه وبين المؤمنين وتوهم أنه يجب أن يتحقق بينهم التقاطع التام لتحققه بينه وبين الكفار أزال هذا الوهم بقوله :﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِى الدِّينِ﴾ أي : إن طلب منكم المؤمنون الذين لم يهاجروا النصرة.
﴿فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ أي : فوجب عليكم نصرهم على من يعاديهم في الدين.
﴿إِلا عَلَى قَوْم﴾ منهم ﴿بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ﴾ أي : إلا إذا كان من يعاديهم ويحاربهم من الكفار بينهم وبينكم عهد موثق فحينئذٍ يجب عليكم الوفاء بالعهد وترك المحاربة معهم ولا يلزمكم نصر الذين آمنوا ولم يهاجروا عليهم بل الإصلاح بينهم على وجه غير القتال.
﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فلا تخالفوا أمره كيلا يحل بكم عقابه.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ آخر في الميراث منطوق الآية إثبات الموالاة بين الكفار والكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الإيمان، فالمراد منه بطريق المفهوم المخالف نهي المسلمين عن موالاتهم وموارثتهم وإيجاب المباعدة بينهم إن وجد بينهم قرابة نسبية لأن الموالاة بين الكفار مبنية على التناسب في الكفر، كما أنها بين المؤمنين مبنية على التناسب في الإيمان فكما لا مناسبة بين الكفر والإيمان من حيث إن الأول ظلمة والثاني نور، فكذا لا مناسبة بين أهلهما فإن الكافر عدو الله والمؤمن ولي الله فوجب التقاطع وإزالة الوصلة من غير الجنس.
قال الحافظ :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٥
نخست موعظه ير صحبت اين ندست
كه از مصاحب ناجنس احتراز كنيد