قال القشيري : قطع لهم مدة على وجه المهلة على أنهم إن أقلعوا عن الضلال وجدوا في المال ما فقدوا من الوصال وإن أبوا إلا التمادي في الحرمة والجريمة انقطع ما بينهم وبينه من العصمة ثم ختم الآية بما معناه إن أصررتم على قبيح آثاركم مشيتم إلى هلاككم بقدمكم وسعيتم في عاجلكم في إراقة دمكم وحصلتم في آجلكم على ندمكم فما خسرتم إلا في صفقتكم.
تبدلت وتبدلنا واخسرنا
من ابتغى عوضاً يسعى فلم يجد ففي الآية دعوة إلى الصلح والإيمان بعد الحراب والكفران فمن كفر وعصى فقد خاصم ربه فجاء الندم في تأخيره التوبة والاستغفار وعدم مبالاته بمباغتة قهر الملك الجبار.
قال بعض العرفاء : إن شئت أن تصير من الأبدال فحول خلقك إلى بعض خلق الأطفال ففيهم خمس خصال لو كانت في الكبار لكانوا أبدالاً لا يهتمون للرزق.
قال الصائب :
فكر آب ودانه در كنج قفس بى حاصلست
زير رخ انديشه روزى را باشد مرا
٣٨٣
ولا يشكون من خالقهم إذا مرضوا.
حافظ ازجور توحاشاك بنالد روزى
كه ازان روز كه دربند توام دلشادم
ويأكلون الطعام مجتمعين.
اكر خواهى كه يابى ملك ودولت
بخور شاها بدرويشان نعمت
وإذا تخاصموا تسارعوا إلى الصلح.
قال السلطان سليم الأول :
خواهى كه كنج عشق كنى لوح سينه را
ازدل بشوى آينه سان كرد كينه را
وإذا خافوا جرت عيونهم بالدموع.
وفي "المثنوي" :
سوز مهر وكريه ابر جهان
ون همى داردجهانرا خوش دهان
آفتاب عقل را در سوز دار
شم را ون ابر اشك افروز دار
جشم كريان بايدت ون طفل خرد
كم خوراين نانراكه ناب آب توبرد
وأشارت الآية الكريمة إلى النفوس المتمردة المشركة التي اتخذت الهوى إلهاً، وعبدت صنم الدنيا فهادنها الروح والقلب في أوان الطفولية وعاهداها على أن لا يجاهداها ولا يقاتلاها إلى حد البلوغ، وهي أيضاً لا تتعرض لهما إلى استكمال القالب واستواء القوى البشرية التي بها تتحمل حمل الأمانة وأعباء أركان الشريعة وظهور كمال العقل الذي به يستعد لقبول الدعوة وإجابتها، وبه يعرف الرسل ومعجزاتهم، وبه يثبت الصانع ويرى تعبده واجبا لأداء شكر نعمة الله وإن الله ورسوله بريء من تلك المعاهدة بعد البلوغ، فإنه أوان نقض عهد النفوس مع القلوب والأرواح لأن النفس قبل البلوغ كانت تتصرف في المأكول والمشروب والملبوس لتربية القالب ودفع الحاجة الماسة غالباً، وذلك لم يكن مضراً جداً للقلب والروح، فأما بعد البلوغ فزادت في تلك التربية بالمأكول والمشروب والملبوس الضروري لأجل الشهوة، ولما ظهرت الشهوة شملت آفتها المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح واشتعلت نيرانها يوماً فيوماً وفيها مرض القلب والروح وبعثت الأنبياء لدفع هذا المرض وعلاجه كما قال عليه السلام :"بعثت لدفع العادات وترك الشهوات" وفي قوله :﴿فَسِيحُوا فِى الارْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٢
﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ الأذان بمعنى الإيذان كالعطاء بمعنى الإعطاء، أي : هذا إعلام واصل منهما ﴿إِلَى النَّاسِ﴾ كافة المؤمنين والكافرين ناكثين أو غيرهم فالأذان عام والبراءة خاصة بالناكثين من المعاهدين والجملة عطف على قوله براءة.
﴿يَوْمَ الْحَجِّ الاكْبَرِ﴾ منصوب بما يتعلق
٣٨٤
به إلى الناس.