وفيه قولان : أحدهما : أنه يوم العيد فإنه يتم فيه أركان الحج كطواف الزيارة وغيره ويتم فيه معظم أفعاله كالنحر والرمي وغيرهما وإعلام البراءة كان فيه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلّم وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال :"هذا يوم الحج الأكبر" وروي أن علياً رضي الله عنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء إلى الجبانة، فجاء رجل فأخذ بلجامها وسأله عن يوم الحج الأكبر فقال :"هو يومك هذا خللِ سبيلها".
والثاني أنه يوم عرفة لقوله عليه الصلاة والسلام :"الحج عرفة" حصر النبي عليه السلام أفعال الحج في الوقوف بعرفة لأنه معظم أفعاله من حيث أن من أدرك الوقوف بعرفة فقد أدرك الحج ومن فاته الوقوف فاته الحج ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر ولاجتماع المسملين والمشركين في ذلك اليوم، وموافقته لأعياد أهل الكتاب ولم يتفق ذلك قبله وبعده فعظم ذلك اليوم في قلوب جميع الطوائف والملل وورد "إن الوقفة يوم الجمعة تعدل سبعين حجة" وهو الحج الأكبر ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ أي : بأن الله والباء صلة الأذان حذفت تخفيفاً ﴿بَرِىاءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي من عهدهم الذي نقضوه فالمراد بالمشركين المعاهدون الناكثون ﴿وَرَسُولَهُ﴾ قال المفسرون هو مرفوع معطوف على المستكن في بريء أو منصوب على أن الواو بمعنى مع أي بريء معه منهم أو مجرور على القسم ولا تكرير في ذكر بريء لأن قوله براءة إخبار بثبوت البراءة وهذا إخبار بوجوب الإعلام بذلك ولذلك علقه بالناس ولم يخصه بالمعاهدين كما قال أولاً :﴿بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِه إِلَى الَّذِينَ عَـاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِى الارْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّه وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِى الْكَـافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِه إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الاكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِىاءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَا وَرَسُولُه فَإِن تُبْتُمْ﴾ من الكفر والغدر ﴿فَهُوَ﴾ أي : فالتوبة.
﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ في الدارين من الإقامة على الكفر والغدر.
﴿وَإِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ أي : أعرضتم عن التوبة.
﴿فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللَّهِ﴾ غير سابقين ولا فائتين أي لا تفوتونه طلباً ولا تعجزونه هرباً في الدنيا.
وبالفارسية (شما نه عاجز كند كانيد خدا يرا يعني توانيد كه ازوبكر يزيد يا با او ستيزيد) ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ في الآخرة والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وذكر التبشير في مقام الإنذار تهكم بهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٢
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :"كنت مع عليّ رضي الله عنه حين بعثه رسول الله بالبراءة إلى مكة، فقيل لأبي هريرة بماذا كنتم تنادون؟ قال : كنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولا يحجن هذا البيت بعد هذا العام مشرك ولا عريان ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله إلى أربعة أشهر فإذا مضت أربعة أشهر فإن الله بريء من عهد المشركين ورسوله.
﴿إِلا الَّذِينَ عَـاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ استدراك، أي استثناء منقطع من النبذ السابق الذي أخر فيه القتال أربعة أشهر كأنه قيل : لا تمهلوا الناكثين فوق أربعة أشهر لكن الذين لم ينكثوا عهدهم فلا تجروهم مجرى الناكثين في المسارعة إلى قتلهم بل أتموا إليهم عهدهم.
﴿ثُمَّ﴾ للدلالة على ثباتهم على عهدهم مع تمادي المدة.
﴿لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْـاًا﴾ من شروط العهد ولم ينكثوا وينقص يتعدى إلى اثنين فكم مفعول أول وشيئاً مفعول ثان وإلى واحد فشيئاً منصوب على المصدرية أي شيئاً من النقصان.
قال الكاشفي :(س ايشان كم نكردند يزى از عهدهاء شما يعني نشكستند يمان شمارا) ﴿وَلَمْ يُظَـاهِرُوا﴾ لم يعاونوا ﴿عَلَيْكُمْ أَحَدًا﴾ من أعدائكم كما عدت بنو بكر على خزاعة حلفاء النبي عليه السلام فظاهرتهم قريش بالسلاح.
﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ﴾ عدي أتموا بإلى
٣٨٥
لتضمنه معنى فأدوا أي فأدوه إليهم تاماً كاملاً ﴿إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ ولا تفاجئوهم بالقتال عند مضي الأجل المضروب للناكثين ولا تعاملوهم معاملتهم.
روي أن بني ضمرة وهم حي من بني كنانة عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم عام الحديبية عند البيت، وكان بقي لهم من عهدهم تسعة أشهر فأتم عليه الصلاة والسلام إليهم عهدهم.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ تعليل لوجوب الامتثال وتنبيه على أن مراعاة حقوق العهد من باب التقوى وأن التسوية بين الوفي والغادر منافية لذلك وإن كان المعاهد مشركاً.
قال الحافظ :
وفا وعهد نكو باشد را بياموزى
وكرنه هركه تو بيني ستمكرى داند
قال الشيخ نصر آبادي : للمتقي علامات أربع : حفظ الحدود، وبذل المجهود، والوفاء بالعهود، والقناعة بالموجود.
قيل في الترجمة :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٢
متقى را بود هار نشان
حفظ أحكام شرع أول آن