ثانياً آنه دست رس باشد
بر فقيران وبى كسان باشد
عهدرا با وفا كند يوند
هره باشد بدان شود خرسند
واعلم : أن الحج الأكبر يوم الوصول إلى كعبة الوصال والحج الأصغر يوم الوصول إلى كعبة القلب.
وزيارة كعبة الوصال وطوافها حرام على مشركي الصفات الناسوتية لأنها تميل إلى غير الله وتركن إلى ما سواه، فلا تطوف الناسوتية حول كعبة اللاهوتية إلا بعد فنائها وفناؤها إنما يكون بالجذبات الإلهية فإذا تداركت العناية الأزلية العبد يخاطب ﴿يا أيتها النَّفْسُ الْمُطْمَـاـاِنَّةُ * ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ﴾ إما في حال الحياة وإما في وقت الوفاة ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ (الرعد : ٣٨) أما ترى إلى سحرة فرعون كيف قالوا ﴿وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ (الزخرف : ١٤) وفي حديث المعراج "ثم ذهبت إلى الجنة فرأيت رضوان خازنها، فلما رآني فرح بي ورحب بي، وأدخلني الجنة وأراني فيها من العجائب ما وعد الله فيها لأوليائه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ورأيت فيها درجات أصحابي ورأيت فيها الأنهار والعيون وسمعت فيها صوتاً وهو يقول آمنا برب العالمين فقلت ما هذا الصوت يا رضوان قال هم سحرة فرعون وسمعت صوتاً آخر، وهو يقول : لبيك اللهم فقلت من هو قال أرواح الحجاج وسمعت التكبير فقال : هؤلاء الغزاة فسمعت التسبيح فقال هؤلاء الأنبياء ورأيت قصور الصالحين ثم بلغت إلى سدرة المنتهى" وسميت المنتهى لأن علم الخلائق ينتهي إليها "ثم تخلف عني جبريل فقلت له أتتركني وحيداً فقال يا أكرم الخلق على الله ما جاوز هذا المكان أحد قبلك ولا يجاوز بعدك فإذا ناداني ربي فقال لي ادن مني يا محمد فلم أزل أدنو وهو يقول ادن ألف كرة حتى قربت منه كما قال تعالى :﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ (النجم : ٩) وما من مرة أدنو من ربي إلا قضى لي فيها حاجة ثم وقفت فقطرت على لساني قطرة كانت أحلى من العسل وأبرد من الثلج فعلمت علم الأولين والآخرين وقال لي يا محمد قد جعلت الإسلام حلواً في قلوب أمتك حتى أحبوه وجعلت الكفر مرّاً في قلوبهم حتى أبغضوه".
يقول الفقير : ومنه يعرف أن الله تعالى جعل الإيمان حلواً في قلوب أمة الدعوة حتى أحبوه وجعل الكفر مراً في قلوبهم حتى أبغضوه فحب الإيمان من الجذبة الإلهية والعناية الأزلية وبه اتقى المؤمن من الكفر ثم من
٣٨٦
العصيان، ثم من الجهل ثم من رؤية ما سوى الله والميل إليه.
فيا أهل الإيمان أدركتكم العناية العامة.
ويا أهل العرفان جذبتكم الهداية الخاصة فقوموا واشكروا الله تعالى على ما أنعم عليكم وأوصله من كمال كرمه إليكم وقد نص على أنه يحب المتقين فتارة تكون محباً وهو محبوب وتارة تكون محبوباً وهو محب ومقام المحبوبية أعلى المقامات ولو كان فوقه ما هو أعلى منه لما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم حبيب الله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٢
فعليك أيها العاقل بالرجوع إلى المولى قبل تمام المدة وهو حلول الأجل وقبل أن تكتنفك الموانع من الجبن والكسل وطريق الاختيار مقبولة دون طريق الاضطرار فإن أقبلت فلك سعادة الوقت، وإن أعرضت فلك الشقاوة والمقت نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى طريق الرضى ويقبل عثرتنا فيما مضى آمين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٢
﴿فَإِذَا انسَلَخَ﴾ أي : انقضى استعير له من الانسلاخ الواقع بين الحيوان وجلده ﴿الاشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ وانفصلت عما كانت مشتملة عليه ساترة له انفصال الجلد عن الشاة وانكشفت عنه انكشاف الحجاب عما وراءه وتحقيقه أن الزمان محيط بما فيه من الزمانيات مشتمل عليه اشتمال الجلد للحيوان وكذا كل جزء من أجزائه الممتدة من الأيام والشهور والسنين فإذا مضى فكأنه انسلخ عما فيه ووصفت الأشهر بالحرم وهي جمع حرام ؛ لأن الله تعالى حرم فيها القتال وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم التي أبيح للناكثين أن يسيحوا فيها لا الأشهر الدائرة في كل سنة وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ؛ لأن نظم الآية يقتضي توالي الأشهر المذكورة وهذه ليست كذلك لأن ثلاثة منها سرد وواحد فرد.
﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ الناكثين أبد الآباد.
فهذه الآية ناسخة لكل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على إيذائهم على وفق ما أجمع عليه جمهور العلماء.
﴿حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ أدركتموهم في حل أو حرم ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ أي : ائسروهم والأخيذ الأسير.
﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ الحصر المنع والمراد إما حبسهم ومنعهم عن التبسط والتقلب في البلاد أو منعهم عن المسجد الحرام.
﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ أي : كل ممر ومجتاز يجتازون منه في أسفارهم وانتصابه على أنه ظرف لاقعدوا أي أرصدوهم في كل مكان يرصد فيه وارقبوهم حتى لا يمروا به وهذا أمر لتضييق السبيل عليهم فليس معناه حقيقة القعود.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٧


الصفحة التالية
Icon