واعلم كما أن الكفار قوم لا يعلمون أحكام الله فكذا النفس وصفاتها قوم لا يعلمون الله وألطافه فلا يقبلون إليه ويعملون الدنيا وشهواتها فيرغبون فيها، وقد أمهل الله تعالى بفضله ليرجع العبد إليه وإلى طاعته.
روي أنه كان في بني إسرائيل شاب قد عبد الله عشرين سنة ثم عصاه عشرين سنة ثم نظر في المرآة فرأى الشيب في لحيته فساءه ذلك فقال إلهي أطعتك عشرين سنة وعصيتك عشرين سنة فإن رجعت إليك تقبلني فسمع هاتفاً من وراء البيت ولم ير شخصاً وهو يقول أحببتنا فأحببناك وتركتنا فتركناك وعصيتنا فأمهلناك فإن رجعت إلينا قبلناك.
وينبغي للعبد أن يسارع إلى التوبة والاستغفار فإن توبة الشاب أحسن من توبة الشيخ فإن الشاب ترك الشهوة مع قوة الداعي إليها والشيخ قد ضعفت شهوته وقل داعيه فلا يستويان.
قال السعدي قدس سره :
(قحبه يراز نا بكارى ه كندتوبه نكند) لأنه لا رغبة في مجامعتها فإنها تؤدي إلى موت الفجأة :(وشخنة معزول ازمردم ازاري) لأنه لا ولاية له على الناس.
جوان كوشه تشين شير مردراه خداست
كه يرخود نتواندز كوشة برخاست
شيخ كبير له ذنوب
تعجز عن حملها المطايا
قد بيضت شعره الليالي
وسودت قلبه الخطايا
يا من يأتي عليه عام بعد عام وقد غرق في بحر الخطايا وهام.
يا من يشاهد الآيات والعبر كلما توالت عليه الأعوام والشهور ويسمع الآيات والسور ولا ينتفع بما يسمع ولا بما يرى من عظائم الأمور ما الحيلة فيمن سبق عليه الشقاء في الكتاب المسطور فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور اللهم اجعلنا من المتلذذين بحسن خطابك والمستسعدين بقرب جنابك والمتصفين بمعرفة آيات صفاتك والواصلين إلى أسرار ذاتك إنك أنت الفياض.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٧
﴿كَيْفَ﴾ في محل النصب على التشبيه بالحال والظرف والاستفهام إنكاري لا بمعنى إنكار الواقع كما في قوله تعالى :﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ (البقرة : ٢٨) بل بمعنى إنكار الوقوع.
﴿يَكُونَ﴾ من الكون التام ﴿لِّلْمُشْرِكِينَ﴾ هم الناكثون.
والمعنى : على أي حال يوجد لهم ﴿عَـاهَدَ﴾ معتد به ﴿عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ﴾ يستحق أن يراعى حقوقه ويحافظ عليه إلى تمام المدة ولا يتعرض لهم بحسبه قتلاً وأخذاً، أي : مستنكر مستبعد أن يكون لهم عهد يجب الوفاء به.
٣٨٩
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٩
﴿إِلا الَّذِينَ﴾ استدراك من النفي المفهوم من الاستفهام المتبادر شموله لجميع المعاهدين أي لكن الذين ﴿عَـاهَدتُّمْ﴾ يعني : بني ضمرة وبني كنانة ﴿عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ (نزديك مسجد حرام يعني درحديبيه كه قريبست بمكه معظمه)، والتعرض لكون المعاهدة عند المسجد الحرم لزيادة بيان أصحابها والإشعار بسبب وكادتها ومحل الموصول الرفع على الابتداء خبر قوله تعالى :﴿فَمَا اسْتَقَـامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ والفاء لتضمنه معنى الشرط، وما إما مصدرية منصوبة المحل على الظرفية بتقدير المضاف، أي فاستقيموا لهم بوفاء أجلهم مدة استقامتهم لكم في وفاء العهد فلم ينقضوه كما نقض غيرهم وإما شرطية منصوبة المحل على الظرفية الزمانية أي أي زمان استقاموا لكم في عهدهم فاستقيموا لهم فيه.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ لنقض العهد تعليل للأمر بالاستقامة وإشعار بأن المحافظة على العهد من لوازم التقوى وفي الحديث :"لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع بقدر غدره" قال في "شرح الشهاب" : المراد باللواء التشهير، يعني : يفتضح الغدّار يوم القيامة بقدر غدره.
وفي "المثنوي" :
سوى لطف بيوفايان هين مرو
كان ل ويران بود نيكوشنو
نقض ميثاق وعهود از احمقيست
حفظ ايمان ووفاكار تقيست
﴿كَيْفَ﴾ يكون للمشركين عهد حقيق بالمراعاة عند الله سبحانه وعند رسوله عليه الصلاة والسلام ﴿وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ أي : وحالهم إنهم إن يظفروا بكم ﴿لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ﴾ أي : لا يراعوا في شأنكم، وأصل الرقوب النظر بطريق الحفظ والرعاية.
ومنه الرقيب ثم استعمل في مطلق الرعاية ﴿إِلا﴾ أي : حلفاً أو قرابة.
وقيل : الإل اسم عبري بمعنى الإله.