قال الأزهري : أيل من أسماء الله تعالى بالعبرانية فجاز أن يكون معرب أل، أي : لا يراعوا حق الله تعالى.
﴿وَلا ذِمَّةً﴾ أي : عهداً حقاً يعاقب على إغفاله وإضاعته مع ما سبق لهم من تأكيد الإيمان والمواثيق يعني أن وجوب مراعاة حقوق العهد على كل من المتعاهدين مشروطة بمراعاة الآخر لها فإذا لم يراعها المشركون فكيف تراعونها.
﴿يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ استئناف بياني كأنه قيل بأي وجه لا يراعون الحلف أو القرابة فكيف يقدمون على عدم المراعاة فأجيب بأنهم يرضونكم بأفواههم حيث يظهرون الوفاء والمصافاة ويعدون لكم بالأيمان والطاعة ويؤكدون ذلك بالإيمان الفاجرة ويتعللون عند ظهور خلافه بالمعاذير الكاذبة ونسبة الإرضاء للأفواه للإيذان بأن كلامهم مجرد ألفاظ يتفوهون بها من غير أن يكون لها مصداق في قلوبهم.
﴿وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ﴾ ما تتفّوه به أفواههم يعني أن ألسنتهم تخالف قلوبهم وما في بطونهم من الضغائن ينافي ما أظهروه بألسنتهم من وعد الإيمان والطاعة والوفاء بالعهد فهم إما يقولون كلاماً حلواً مكراً وخديعة، وفي الحديث :"المكر والخديعة في النار" يعني : أربابهما وفي الحديث "اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع" وهي : جمع بلقعة وهي الأرض القفر التي لا شيء فيها وامرأة بلقعة إذا كانت خالية من كل خير والمعنى يفتقر الحالف ويذهب ماله وجاهه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٩
فينبغي للعاقل أن لا يجعل عادته أن يحلف في كل صغير وكبير فإنه ربما يحلف كاذباً فيستحق العقوبة.
ورد أنّ البياع الحلاف إذ كان كاذباً
٣٩٠
في يمينه يكون ثمن ما باعه أشد حرمة من لحم الخنزير.
﴿وَأَكْثَرُهُمُ﴾ أي : أكثر المشركين ﴿فَـاسِقُونَ﴾ خارجون عن الطاعة فإن مراعاة حقوق العهد من باب الطاعة متمردون في الكفر ليست لهم عقيدة تمنعهم ولا مروءة تردعهم وتخصيص الأكثر لما في بعض الكفرة من التفادي عن الغدر والتعفف عما يجر أحدوثة السوء والأحدوثة ما يتحدث الناس في حقه من المثال والمعائب.
يفول الفقير : ذكر عند حضرة شيخي العلامة أبقاه الله بالسلامة مروءة بعض أهل الذمة فقال : إنه من آثار السعادة الأزلية ويرجى أن ذلك يدعوه إلى الإيمان والتوحيد ويصير عاقبته إلى النجاة والفلاح.
وفي "المثنوي" :
من نديدم در هان جست وجو
هي اهليت به از خوى نكو
درى خوباش وباخوشخو نشين
خو ذيرى روغن وكل رابين
س يقين دان صورت خوب ونكو
با خصال بد نيرزد يك طسو
ور بود صورت حقير وناذير
ون بود خلقش نكو دراش مير
وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلّم معاذاً بوصية جامعة لمحاسن الأخلاق فقال :"يا معاذ أوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، وحفظ الجوار، ورحمة اليتيم ولين الكلام، وبذل السلام، وحسن العمل، وقصر الأمل، ولزوم الإيمان، والتفقه في القرآن، وحب الآخرة، والجزع من الحساب، وخفض الجناح، وإياك أن تسب حكيماً أو تكذب صادقاً، أو تطيع آثماً، أو تعصي إماماً عادلاً، أو تفسد أرضاً.
أوصيك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومدر، وأن تحدث لكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية بذلك أدب الله عباده ودعاهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب" كذا في "العوارف".
اعلم أن النفس خلقت من السفليات وجبلت ميالة إلى الدنيا وشهواتها ولذاتها وإلى الجفاء والغدر والرياء والنفاق وقد عاهدها الله يوم الميثاق على الصدق والإخلاص فهي ما دامت حية باقية على صفاتها الذميمة لا يمكنها العبودية الخالصة من شوب الطمع في المقاصد الدنيوية والأخروية، فإذا تنورت بالأنوار المنعكسة من تجلي صفات الجمال والجلال لمراءة القلب تفنى عن أوصافها المخلوقة وتبقى بالأنوار الخالقية فيثبتها الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة فتسلم من نقض العهد والمسجد الحرام إشارة إلى مقام الوصول الذي هو حرام على أهل الدنيا والآخرة وهو مقام أهل الله وخاصته نسأل الله الوصول إلى هذا المقام المكين والدخول في هذا الحرم الأمين.
قال بعضهم :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٩
الزم الصدق والتقى
واترك العجب والريا
واغلب النفس والهوى
ترزق السؤل والمنى
فعلى العاقل المجاهدة مع النفس ورعاية العهود والحقوق ومجانبة الفسوق والعقوق.
قال الشبلي قدس سره : عقدت وقتاً أن لا آكل إلا من الحلال فكنت أدور في البراري، فرأيت شجرة تين فمددت يدي إليها لآكل فنادتني الشجرة احفظ عليك عقدك لا تأكل مني فإني ليهودي.
يقول الفقير في هذه الحكاية شيئان : الأول : ظهور الكرامة وهو تكلم الشجرة.
والثاني :
٣٩١


الصفحة التالية
Icon