تذكير الله تعالى إياه عقده وذلك بسبب صدقه في إرادته وإخلاصه في طلبه فمن أراد أن يصل إلى هذه الرتبة فليحافظ وقته وليراقب فإن في المراقبة حصول المطالب عصمنا الله وإياكم من تجاوز الحد والخروج عن الطريق وشرفنا بالوقوف في حد الحق والثبات في طريق التحقيق ﴿اشْتَرَوْا بآيات اللَّهِ﴾ يعني : المشركين الناقضين تركوا الآيات الآمرة بالإيفاء بالعهود والاستقامة في كل أمر وأخذوا بدلها.
﴿ثَمَنًا قَلِيلا﴾ أي : شيئاً حقيراً من حطام الدنيا وهو أهواؤهم وشهواتهم التي اتبعوها ﴿فَصَدُّوا﴾ أي : عدلوا وأعرضوا من صد صدوداً فيكون لازماً أو منعوا وصرفوا غيرهم من صده عن الأمر صداً فيكون متعدياً.
﴿عَن سَبِيلِهِ﴾ أي : دينه الموصل إليه أو سبيل بيته الحرام حيث كانوا يصدون الحجاج والعمار عنه ويحصرونهم.
﴿إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي : بئس العمل عملهم المستمر فما المصدرية مع ما في حيزها في محل الرفع على إنها فاعل ساء والمخصوص بالذم محذوف.
وقيل : إن أبا سفيان بن حرب جمع الأعراب وأطعمهم ليصدهم بذلك عن متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وليحملهم على نقض العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله فنقضوه بسبب تلك الأكلة ففاعل اشتروا الأعراب والثمن القليل هو ما أطعمهم أبو سفيان.
يقول الفقير : هذا جار إلى الآن فإن بعض أهل الهوى والظلم يضيف بعض أهل الطمع والمداهنة ممن يعد من أعيان القوم ليشهدوا له عند السلطان أو القاضي بالحق والعدل فيشترون بآيات الله ثمناً قليلاً هو الضيافة لهم.
﴿لا يَرْقُبُونَ﴾ أي : لا يراعون ولا يحفظون.
﴿فِى مُؤْمِنٍ﴾ أي : في شأنه وحقه.
﴿إِلا﴾ أي : حلفاً أو حق قرابة.
﴿وَلا ذِمَّةً﴾ أي : عهداً هذا ناعى عليهم عدم مراعاة حقوق عهد المؤمنين على الإطلاق فلا تكرار.
﴿وَأُوالَـائِكَ﴾ الموصوفون بما عدّ من الصفات السيئة.
﴿هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ المجاوزون الغاية القصوى من الظلم والشرارة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٩
﴿فَإِن تَابُوا﴾ عن الكفر وسائر العظائم.
﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَواةَ﴾ أي : التزموا إقامتهما واعتقدوا فرضيتهما.
﴿فَإِخوَانُكُمْ﴾ أي : فهم إخوانكم ﴿فِى الدِّينِ﴾ متعلق بإخوانكم لما فيه من معنى الفعل، أي : لهم ما لكم وعليهم ما عليكم فعاملوهم معاملة الإخوان ومتى لم توجد هذه الثلاثة لا تحصل الأخوة في الدين ولا عصمة الدماء والأموال.
﴿وَنُفَصِّلُ الايَـاتِ﴾ أي : نبين الآيات المتعلقة بأحوال المشركين الناكثين وغيرهم وأحكامهم حالتي الكفر والإيمان.
﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي : ما فيها من الأحكام ويتفكرونها ويحافظون عليها.
﴿وَإِن نَّكَثُوا﴾ عطف على قوله تعالى :﴿فَإِن تَابُوا﴾ أي وإن لم يفعلوا ذلك بل نقضوا ﴿أَيْمَـانَهُم مِّنا بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ الموثق بها وأظهروا ما في ضمائرهم من الشر وأخرجوه من القوة إلى الفعل.
﴿وَطَعَنُوا فِى دِينِكُمْ﴾ عابوه وقدحوا فيه بتصريح التكذيب وتقبيح الأحكام ﴿فَقَـاتِلُوا﴾ (س بكشيد) ﴿أَاـاِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ أي : فقاتلوهم فوضع الظاهر موضع الضمير للإشارة إلى علة وجوب مقاتلتهم أي للإيذان بأنهم صاروا بذلك ذوي رياسة وتقدم في الكفر أحقاء بالقتل وقيل المراد بأئمتهم رؤساؤهم كأبي سفيان والحرث بن هشام وأبي جهل بن هشام وسهل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وأشباههم، وتخصيصهم بالذكر ليس لنفي الحكم عما عداهم بل لأن قتلهم أهم من حيث أنهم هم المعتدون في الشرارة
٣٩٢
ويدعون أتباعهم إلى الأفعال الباطلة كأنه قيل فقاتلوا من نكث الوفاء بالعهود لا سيما أئمتهم والرؤساء منهم.
وأصل أئمة أاممة جمع إمام نحو مثال وأمثلة ﴿إِنَّهُمْ لا أَيْمَـانَ لَهُمْ﴾ أي : على الحقيقة حيث لا يراعونها ولا يعدون نفضها محذوراً وإن أجروها على ألسنتهم فالمراد بالأيمان المثبتة لهم بقوله تعالى :﴿وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَـانَهُم﴾ ما أظهروه من الأيمان وبالمنفية ما هو أيمان على الحقيقة، فإنهم إذا لم يراعوها فلا وجود لها في الحقيقة ولا اعتبار بها لأن ما لم يترتب عليه أحكامه ولوازمه فهو في حكم المعدوم، وهو تعليل لاستمرار القتال المأمور به المستفاد من سياق الكلام، كأنه قيل : فقاتلوهم إلى أن يؤمنوا لأنهم لا أيمان لهم حتى تعقدوا معهم عقداً آخر.
﴿لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾ متعلق بقوله فقاتلوا، أي : قاتلوهم إرادة أن ينتهوا، أي : ليكن غرضكم من القتال انتهاءهم عما هم عليه من الكفر وسائر العظائم التي يرتكبونها لا إيصال الأذية كما هو ديدن المؤذين والأذية، هو المكروه اليسير.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٩