وحكي عن أبي يوسف أنه كان جالساً مع هارون الرشيد على المائدة فروى عن النبي عليه السلام أنه كان يحب القرع فقال حاجب من حجابه أنا لا أحبه فقال لهارون : إنه كفر فإن تاب وأسلم فبها وإلا فاضرب عنقه فتاب واستغفر حتى أمن من القتل ذكره في "الظهيرية" قالوا هذا إذا قال ذلك على وجه الإهانة أما بدونها فلا كما في "الخاقانية" ولو قال رجل إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أكل يلحس أصابعه الثلاث فقال الآخر (اين بى ادبيست) فهذا كفر والحاصل أنه إذا استخف سنة أو حديثاً من أحاديثه عليه السلام يكفر ولو قال لو كانت الصلاة زائدة على الأوقات الخمسة أو الزكاة على خمسة دراهم والصوم على شهر لا أفعل منها شيئاً يكفر ولو قال لآخر صل فقال الآخر إن الصلاة عمل شديد الثقل يكفر ولو صلى رجل في رمضان لا في غيره فقال (اين خود بسيارست) يكفر ولو ترك الصلاة متعمداً ولم ينو القضاء ولم يخف عقاب الله فإنه يكفر ولو قال عند مجيء شهر رمضان (آمد آن ماه كران) أو جاء الضيف الثقيل يكفر.
ومن إشارات الآية : أن الطعن في الدين هو الإنكار على مذهب السلوك والطلب وأئمة الكفر هم النفوس كما أن أئمة الإيمان هم القلوب والأرواح والنفوس لا وفاء لهم بالعهد على طلب الحق تعالى وترك ما سواه فلا بد من جهادهم حق جهادهم كي ينتهوا عن طبيعتهم وعما جبلوا عليه من الأمارية بالسوء.
﴿أَلا تُقَـاتِلُونَ قَوْمًا﴾ (آيا كارزار نميكنيد باكروهى كه) ﴿نَّكَثُوا﴾ (بشكنند) ﴿أَيْمَـانِهِمْ﴾ التي حلفوها مع الرسول والمؤمنين على أن لا يعاونوا عليهم فعاونوا بني بكر
٣٩٤
على خزاعة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٩
قال الكاشفي :(ديكر از عهدها ميان يغمبر وقريش آن بودكه حلفا يكديكررا نرنجانند وبرقتال ايشان بايكديكر مظاهره نكنند قريش ببني بكررا كه حلفاء ايشان بودند بسلاح ومردمدد داندند بابني خزاعة كه حلفاي رسول بودند جنك كردند).
﴿وَهَمُّوا﴾ (وقصد كردند مشركان) ﴿بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ﴾ حين تشاوروا في أمره بدار الندوة فيكون نعياً عليهم جنايتهم القديمة وقيل هم اليهود نكثوا عهد الرسول وهموا بإخراجه من المدينة.
﴿وَهُم بَدَءُوكُمْ﴾ أي : بدؤوا نقض العهد بالمعاداة والمقاتلة ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم جاءهم أولاً بالكتاب المبين وتحداهم به فعدلوا عن المحاجة لعجزهم عنها إلى المقاتلة فما يمنعكم أن تعارضوهم وتصادموهم.
﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ﴾ أتتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم.
﴿فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ﴾ فقاتلوا أعداءه ولا تتركوا أمره.
قوله :(فالله) مبتدأ خبره أحق وأن تخشوه بدل من الله أي أي خشية أحق من خشيتهم فإن تخشوه في موضع رفع ويجوز أن يكون في موضع نصب أو جر على الخلاف إذا حذف حرف الجر وتقديره بأن تخشوه أي أحق من غيره بأن تخشوه.
﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ فإن قضية الإيمان أن لا يخشى إلا منه.
قال في "التأويلات النجمية" أتخشون فوات حظوظ النفس في اجتهادها وخشية فوات حقوق الله والوصول إليه أولى إن كنتم مؤمنين بالوصول إليه.
﴿قَـاتِلُوهُمْ﴾ (كارزار كنيد بامشركان).
﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ يعني :(بشمشير هاى شما مقتول شوند) ﴿وَيُخْزِهِمْ﴾ (ورسواسازد شان بمقهوريت ومغلوبيت).
﴿وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ أي : يجعلكم جميعاً غالبين عليهم أجمعين ولذلك أخر عن التعذيب.
﴿وَيَشْفِ﴾ (شفا بخشد) ﴿صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ ممن لم يشهد القتال وهم خزاعة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هم بطن من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى كثيراً فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشكون إليه فقال عليه السلام :"أبشروا فإن الفرج قريب".
قال الحافظ :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٩
آنكه يرانه سرم صحبت وسف بنو اخت
اجر صبريست كه در كلبه احزان كردم
﴿وَيُذْهِبَ﴾ (وببرد خداى تعالى بنصرت شما بركفار) ﴿غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ (اندوه دلهاء آنا نراكه بواسطه أذاء كفار ملول بودند) ولقد أنجز الله ما وعدهم به على أجمل ما يكون.
﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَآءُ﴾ كلام مستأنف ينبىء عما سيكون من بعض أهل مكة من التوبة المقبولة فكان كذلك حيث أسلم ناس منهم وحسن إسلامهم مثل أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسهل بن عمر وغيرهم.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بما كان وما سيكون.
﴿حَكِيمٌ﴾ لا يفعل ولا يأمر إلا على وفق الحكمة.
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ (آيا مى ندار يداي مؤمنان) وأم منقطعة.
والمعنى بل أحسبتم ومعنى بل الإضراب عن أمرهم بالقتال إلى توبيخهم على الحسبان.
﴿أَن تُتْرَكُوا﴾ مهملين غير مأمورين بالجهاد ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَـاهَدُوا مِنكُمْ﴾ أي : والحال أنه لم يتبين الخلص وهم الذين جاهدوا من غيرهم وفائدة التعبير عن عدم التبين بعدم علم الله تعالى أن المقصود هو التبين من حيث كونه متعلقاً للعلم ومداراً للثواب.
قال
٣٩٥


الصفحة التالية
Icon