ذكر في "القنية" أن أعظم المساجد حرمة المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت المقدس ثم الجوامع ثم مساجد الشوارع فإنها أخف مرتبة حتى لا يعتكف فيها إذا لم يكن لها إمام معلوم ومؤذن ثم مساجد البيوت فإنه لا يجوز الاعتكاف فيها إلا للنساء انتهى وهذه المساجد هي المساجد المجازية، وأما المساجد الحقيقية فهي القلوب الطاهرة عن لوث الشرك مطلقاً كما قال من قال :
مسجدي كو اندرون اولياست
سجد كاه جمله است آنجا خداست
آن منجازست اين حقيقت اي خران
نيست مسجد جز درون سروران
ولهذا يعبر عن هدم المسجد بهدم قلب المؤمن ﴿شَـاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ﴾ أي بإظهار آثار الشرك من نصب الأوثان حول البيت للعبادة فإن ذلك شهادة صريحة على أنفسهم بالكفر وإن أبوا أن يقولوا نحن كفار كما نقل عن الحسن.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٩
وقال السدي : شهادتهم على أنفسهم بالكفر أن اليهودي لو قيل له ما أنت قال يهودي ويقول النصراني هو نصراني ويقول المجوسي هو مجوسي أو قولهم نعبد الأصنام ليقربونا إلى الله زلفى وهو حال من الضمير في يعمروا أي محال أن يكون ما سموه عمارة عمارة بيت الله مع ملابستهم لما ينافيها ويحبطها من عبادة غيره تعالى فإنها ليست من العمارة في شيء.
﴿أولئك﴾ الذين يدعون عمارة المسجد وما يضاهيها من أعمال البر مع ما بهم من الكفر.
﴿حَبِطَتْ﴾ (تباه وباطل شده است بواسطه كفر) ﴿أَعْمَـالَهُمْ﴾ التي يفتخرون بها وإن كانت من جنس طاعة المسلمين ﴿وَفِى النَّارِ هُمْ خَـالِدُونَ﴾ لكفرهم ومعاصيهم.
قال القاضي عياض انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا بتخفيف عذاب لكن بعضهم يكون أشد عذاباً من بعض بحسب جرائمهم.
وذكر الإمام الفقيه أبو بكر البيهقي : أنه يجوز أن يراد مما ورد في الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكفار أنهم لا يتخلصون بها من النار ولكن يخفف عنهم ما يستوجبونه بجنايات ارتكبوها سوى الكفر
٣٩٧
ووافقه المازري.
قال الواحدي : دلت الآية على أن الكفار ممنوعون من عمارة مسجد المسلمين ولو أوصى لم تقبل وصيته وهو مجمع عليه بين الحنفية ويمنع من دخول المساجد فإن دخل بغير إذن مسلم استحق التعزير وإن دخل بإذنه لم يعزر والأولى تعظيم المساجد ومنعها منهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٩
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـاجِدَ اللَّهِ﴾ شامل للمسجد الحرام وغيره.
﴿مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ﴾ وحده والإيمان بالرسول داخل في الإيمان بالله لما علم من تقارنهما وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر في مثل الشهادة والأذان والإقامة ﴿وَالْيَوْمِ الاخِرِ﴾ بما فيه من البعث والحساب والجزاء ﴿وَأَقَامَ الصَّلَواةَ﴾ مع الجماعة وأكثر المشايخ على أنها واجبة وفي الحديث :"صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً" والجماعة في التراويح أفضل وكل ما شرع فيه الجماعة فالمسجد فيه أفضل فثواب المصلين في البيت بالجماعة دون ثواب المصلين في المسجد بالجماعة.
﴿وَءَاتَى الزَّكَواةَ﴾ أي : الصدقة المفروضة عن طيب نفس وقرن الزكاة بالصلاة في الذكر لما إن إحداهما لا تقبل إلا بالأخرى أي إنما تستقيم عمارتها ممن جمع هذه الكمالات العلمية والعملية.
﴿وَلَمْ يَخْشَ﴾ في أمور الدين ﴿إِلا اللَّهُ﴾ فعمل بموجب أمره ونهيه غير آخذ له في الله لومة لائم ولا خشية ظالم فيندرج فيه عدم الخشية عند القتال ونحو ذلك، وأما الخوف الجبلي من الأمور المخوفة كالظلمة والسباع المهلكة والدواهي العظيمة فهو لا يقدح في الخشية من الله إذ الخشية من الله إرادة ناشئة من تصور عظمة الله وإحاطة علمه بجميع المعلومات وكمال قدرته على مجازاة الأعمال مطلقاً وهذا الخوف الجبلي لا يدخل تحت القصد والإرادة ﴿فَعَسَى أُولَئكَ﴾ (س آن كروه شايد) ﴿أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ إلى مباغيهم من الجنة وما فيها من فنون المطالب العلية وإبراز اهتدائهم مع ما بهم من الصفات السنية في معرض التوقع لقطع أطماع الكفرة عن الوصول إلى مواقف الاهتداء والانتفاع بأعمالهم التي يحسبون أنهم لها محسنون ولتوبيخهم بقطعهم بأنهم مهتدون فإن المؤمنين مع ما بهم من هذه الكمالات إذا كان أمرهم دائراً بين لعل وعسى فما بال الكفرة وهم هم وأعمالهم أعمالهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٨
جايى كه شير مردان در معرض عتابند
روباه سيرتانرا آنجا ه تاب باشد
(وديكر منع مؤمنا نست ازاغترار بأعمال خويش وبران اعماد نمودن) كما قال الحدادي كلمة عسى من الله واجبة والفائدة في ذكرها في آخر هذه الآية ليكون الإنسان على حذر من فعل ما يحبط ثواب عمله (كه هر كه بعمل مغرورست ازفيض ازل مهجورست)
مباش غره بعلم وعملك ه شد ابليس
بدين سبب زدر باركاه عزت دور


الصفحة التالية
Icon