واعلم أن عمارة المساجد تعم أنواعاً منها البناء وتجديد ما انهدم منها وفي الحديث :"سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته من علَّم علماً أو كرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته" وفي الحديث :"من بنى مسجداًتعالى أعطاه الله بكل شبر أو بكل ذراع أربعين ألف ألف مدينة من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ في الجنة في كل مدينة ألف ألف بيت في كل بيت ألف ألف سرير على كل
٣٩٨
سرير زوجة من الحور العين في كل بيت أربعون ألف مائدة على كل مائدة أربعون ألف قصعة في كل قصعة أربعون ألف ألف لون من طعام ويعطى الله له من القوة حتى يأتي على تلك الأزواج وعلى ذلك الطعام والشراب" ذكره الزند وستى في "الروضة".
فإن خرب المسجد وتعطل أو خربت المحلة ولا يصلي يه أحد صار المسجد ميراثاً لورثة الباني عند محمد.
وقال أبو يوسف هو على حاله مسجد وإن تعطل ولو أرادوا أن يجعلوا المسجد مستغلاً والمستغل مسجداً لم يجز.
يقول الفقير : من الناس من جعل المسجد اصطبل الدواب أو مطمورة الغلة أو نحوه وكذا الكتاب ونحوه من محال العلم والعبادات وقد شاهدناه في ديار الروم والعياذ بالله تعالى.
قال علي رضي الله عنه : ست من المروءة ثلاث في الحضر وثلاث في السفر.
فأما اللاتي في الحضر فتلاوة كتاب الله وعمارة مسجد الله واتخاذ الإخوان في الله.
وأما اللاتي في السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح في غير معاصي الله ذكره الخطيب في "الروضة".
ومنها قمها أي كنسها وتنظيفها.
قال الحسن : مهور الحور العين كنس المساجد وعمارتها وفي الحديث :"نظفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود بجمع الأكباء" أي الكناسات في دورها وفي الحديث "غسل الإنا وطهارة الفناء يورثان الغنى" فإذا كان الأمر في طهارة الفناء وهو فناء البيت والدكان ونحوهما هكذا فما ظنك في تنظيف المسجد والكتاب ونحوهما.
ومنها تزيينها بالفرش.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٨
قال بعضهم : أول من فرش الحصير في المساجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكانت قبل ذلك مفروشة بالحصى، وهو بالفارسية (سنك ريزه) أي في زمنه صلى الله عليه وسلّم وذلك أن المطر جاء ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتي بالحصباء في ثوبه فيبسطها تحته ليصلي عليها فلما قضى رسول الله الصلاة قال ما أحسن هذا البساط ثم أمر أن يحصب جميع المسجد فمات قبل ذلك فحصبه عمر رضي الله عنه.
وفي "الإحياء" : أكثر معروفات هذه الأعصار منكرات في عصر الصحابة ؛ إذ من عد المعروف في زماننا من فرش المساجد بالبسط الرقيقة وقد كان يعد فرش البواري في المسجد بدعة كانوا لا يرون أن يكون بينهم وبين الأرض حائل انتهى.
قال الفقهاء : يستحب له أن يصلي على الأرض بلا حائل أو ما تنبته كالحصير والبوريا لأنه أقرب إلى التواضع وفيه خروج عن خلاف الإمام مالك فإن عنده يكره السجود على ما ليس من جنس الأرض ولا بأس بأن يصلي على اللبود وسائر الفرش إذا كان المفروش رقيقاً بحيث يجد الساجد تمكنه من الأرض وقد روي أنه عليه السلام سجد على فروة مدبوغة ولا بأس بتبيض المسجد بالجص أو بالتراب الأبيض.
ذكر أن الوليد بن عبد الملك أنفق على عمارة مسجد دمشق في تزيينه مثل خراج الشام ثلاث مرات.
وروي أن سليمان بن داود عليهما السلام بنى مسجد بيت المقدس وبالغ في تزيينه حتى نصب الكبريت الأحمر على رأس القبة وكان ذلك أعز ما يوجد في ذلك الوقت وكان يضيء من ميل وكانت الغزالات يغزلن في ضوئه من مسافة اثني عشر ميلاً وكان على حاله حتى خربه بخت نصر ونقل جميع ما فيه من الذهب والفضة والجواهر والآنية إلى أرض بابل وحمل مائة ألف وسبعين عجلة.
ومنها تعليق القناديل في المساجد وإسراج المصابيح والشموع وفي الحديث :"من علق
٣٩٩