قال السري : الزهد ترك حظوظ النفس من جميع ما في الدنيا ويجمع هذه الحظوظ المالية والجاهية حب المنزلة عند الناس وحب المحمدة والثناء.
وجاء في الأثر "لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن العباد سخط الله ما لم يبالوا بما نقص من دنياهم فإذا فعلوا ذلك وقالوا لا إله إلا الله قال الله تعالى كذبتم لستم بها صادقين".
روي أن عابداً من بني إسرائيل راودته ملكة عن نفسه فقال اجعلوا لي ماء في الخلاء أتنظف به ثم صعد أعلى موضع في القصر فرمى بنفسه فأوحى الله تعالى إلى ملك الهواء أن الزم عبدي قال فلزمه ووضعه على الأرض وضعاً رفيقاً فقيل لإبليس ألا أغويته قال ليس لي سلطان على من خالف هواه وبذل نفسهفهذا هو الجهاد في الله وثمرته الخلاص من الهلاك مطلقاً.
قال العلماء.
بالله : ينبغي للمريد أن يكون له في كل شيء نيةتعالى حتى في أكله وشربه وملبوسه فلا يلبس إلا الله ولا يأكل إلا، ولا ينام إلاوقد ورد في الخبر "من تطيبجاء يوم القيامة وريحه أطيب من المسك الأذفر ومن تطيب لغير الله جاء يوم القيامة وريحه انتن من الجيفة" فالمراد ينبغي أن يتفقد جميع أقواله وأفعاله ولا يسامح نفسه أن تتحرك بحركة أو تتكلم بكلمة إلاتعالى.
وفي الأخير من الآيات إشارة إلى من جاهد النفس وبذل الوجود والموجود جميعاً فإنه
٤٠٢
أعظم قربة في مقام العندية من النفوس المتمردة ومن وصل إلى مقام العندية فالله يعظم أجره أي يجده في مقام العندية فافهم واسأل ولا تغفل عن حقيقة الحال.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٢
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} سبب نزولها أنه لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصحابه بالهجرة إلى المدينة كان من الناس من يتعلق به زوجته وولده وأقاربه، فيقولون : ننشدك الله أن لا تروح وتدعنا إلى غير شيء فنضيع بعدك فيرق لهم ويدع الهجرة، فقال الله تعالى أيها المؤمنون.
﴿لا تَتَّخِذُوا ءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ﴾ الكفرة بمكة ﴿أَوْلِيَآءُ﴾ يعني (اين كروه بدوستى مكيريد).
﴿إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ﴾ أي : اختاروه.
﴿عَلَى الايمَـانِ﴾ عدي استحب بعلى لتضمنه معنى اختار وحرص.
﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ﴾ (وهر كرا ازشما ايشانرا دوست دارد يعني اين عمل ازيشان سندد) ومن للجنس لا للتبعيض.
فأولئك المتولون ﴿هُمُ الظَّـالِمُونَ﴾ بوضعهم الموالاة في غير موضعها كأن ظلم غيرهم كلا ظلم عند ظلمهم.
قال الإمام : الصحيح إن هذه السورة إنما نزلت بعد فتح مكة فكيف يمكن حمل هذه الآية على إيجاب الهجرة والحال أن الهجرة إنما كانت واجبة قبل فتح مكة.
والأقرب أن تكون هذه الآية محمولة على إيجاب التبري من أقربائهم المشركين وترك الموالاة معهم باتخاذهم بطانة وأصدقاء بحيث يفشون إليهم أسرارهم ويؤثرون المقام بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فأولئك هُمُ الظَّـالِمُونَ﴾ أي : المشركون مثلهم.
قال الحدادي : إنما جعلوا ظالمين لموالاة الكفار لأن الراضي بالكفر يكون كافراً.
قال الكاشفي :(واين آيت آمد متخلفان اهجرت كفتندكه حالا ما درميان قبائل وعشائر خوديم وبمعاملات وبحارات اشتغال نموده أوقات ميكذرانيم ون عزيمت هجرت كنيم بالضرورة قطع در وفرزند بايد كرد تجارت ازدست برود وما بي كسبي وبي مالي بمانيم آيت ديكر آمدكه).
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٢
﴿قُلِ﴾ يا محمد للذين تركوا الهجرة ﴿قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾ أي أقرباؤكم من المعاشرة وهي المخالطة ﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ أي : اكتسبتموها وأصبتموها بمكة وإنما وصفت بذلك إيماء إلى عزتها عندهم لحصولها بكدّ اليمين.
﴿وَتِجَـارَةٌ﴾ أي : أمتعة اشتريتموها للتجارة والربح.
﴿تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾ بفوات وقت رواجها بغيبتكم عن مكة المعظمة في أيام الموسم.
﴿وَمَسَـاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ﴾ أي : منازل تعجبكم الإقامة فيها لكمال نزاهتها من الدور والبساتين.
﴿أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي : من طاعة الله وطاعة رسوله بالهجرة إلى المدينة ﴿وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ﴾ أي : وأحب إليكم من الجهاد في طاعة الله والمراد الحب الاختياري المستتبع لأثره الذي هو الملازمة وعدم المفارقة لا الحب الجبلي الذي لا يخلو عنه البشر فإنه غير داخل تحت التكليف الدائر على الطاقة.
﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ أي انتظروا جواب للشرط.
﴿حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ﴾ (تابيارد خداي تعالى) ﴿بِأَمْرِهِ﴾ هي عقوبة عاجلة أو آجلة وهو وعيد لمن آثر حظوظ نفسه على مصلحة دينه ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـاسِقِينَ﴾ الخارجين عن الطاعة في موالاة المشركين أي لا يرشدهم إلى ما هو خير لهم.


الصفحة التالية
Icon