على الخائف المطلوب كفة حابل أي : حبالة صيد ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُم﴾ الكفار ظهوركم.
﴿مُّدْبِرِينَ﴾ أي : منهزمين لا تلوون على أحد يقال ولى هارباً، أي أدبر، فالإدبار الذهاب إلى خلف خلاف الإقبال.
روي أنه بلغ فلهم أي منهزمهم مكة وسر بذلك قوم من أهل مكة وأظهروا الشماتة حتى قال أخو صفوان ابن أمية لأمه ألا قد أبطل الله السحر اليوم فقال له صفوان وهو يومئذٍ مشرك اسكت فض الله فاك أي أسقط أسنانك والله لأن يربني من الربوبية أي يملكني ويدبر أمري رجل من قريش أحب إليّ من أن يربني رجل من هوازن ولما انهزموا بقي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحده وليس معه إلا عمه العباس آخذاً بلجام بغلته وابن عمه أبو سفيان بن حرب بن عبد المطلب آخذاً بركابه وهو يركض البغلة نحو المشركين ويقول :
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب وهذا ليس بشعر لأنه لم يقع عن قصد وإنما قال : أنا ابن عبد المطلب، ولم يقل أنا ابن عبد الله لأن العرب كانت تنسبه صلى الله عليه وسلّم إلى جده عبد المطلب لشهرته ولموت عبد الله في حياته فليس من الافتخار بالآباء الذي هو من عمل الجاهلية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٢
وقال الخطابي : إنه عليه السلام إنما قال أنا ابن عبد المطلب لا على سبيل الافتخار ولكن ذكرهم عليه السلام بذلك رؤيا رآها عبد المطلب أيام حياته، وكانت القصة مشهورة عندهم فعرفهم بها وذكرهم إياها وهي إحدى دلائل نبوته عليه السلام.
وقصة الرؤيا على ما في "عقد الدرر واللآلى" : أن عبد المطلب جد النبي عليه السلام بينا هو نائم في الحجر انتبه مذعوراً، قال العباس : فتبعته وأنا يومئذٍ غلام أعقل ما يقال فأتى كهنة قريش فقال : رأيت كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهري، ولها أربعة أطراف طرف قد بلغ مشارق الأرض، وطرف قد بلغ مغاربها، وطرف قد بلغ عنان السماء، وطرف قد جاوز الثرى فبينا أنا أنظر عادت شجرة خضراء لها نور، فبينا أنا كذلك قام عليّ شيخان فقلت لأحدهما : من أنت؟ قال :
٤٠٦
أنا نوح نبي رب العالمين، وقلت للآخر : من أنت؟ قال أنا إبراهيم خليل رب العالمين، ثم انتبهت قالوا إن صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك نبي يؤم به أهل السموات وأهل الأرض، ودلت السلسلة على كثرة أتباعه وأنصاره لتداخل حلق السلسلة ورجوعها شجرة يدل على ثبات أمره وعلو ذكره وسيهلك من لم يؤمن به، كما هلك قوم نوح وستظهر به ملة إبراهيم وإلى هذا وقعت إشارة النبي صلى الله عليه وسلّم يوم حنين قال :
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
كأنه يقول : أنا ابن صاحب تلك الرؤيا مفتخراً بها لما فيها من علم نبوته وعلو كلمته انتهى.
روي أنه عليه السلام كان يحمل على الكفار فيفرون ثم يحملون عليه، فيقف لهم فعل ذلك بضع عشرة مرة قال العباس : كنت أكف البغلة لئلا تسرع به نحو المشركين وناهيك بهذا شهادة على تناهي شجاعته حيث لم يخف اسمه في تلك الحال ولم يخف الكفار على نفسه ما ذلك إلا لكونه مؤيداً من عند الله العزيز الحكيم فعند ذلك قال :"يا رب ائتني بما وعدتني" وقال للعباس وكان صيتاً جهوريّ الصوت "صح بالناس" يروى من شدة صوته أنه أغير يوماً على مكة فنادى واصباحاه فأسقطت كل حامل سمعت صوته وكان صوته يسمع من ثمانية أميال فنادى الأنصار فخذاً فخذاً ثم نادى يا أصحاب الشجرة وهم أهل بيعة الرضوان يا أصحاب سورة البقرة وهم المذكورون في قوله :﴿الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّه وَالْمُؤْمِنُونَا كُلٌّ﴾ (البقرة : ٢٨٥) وكانوا يحفظون سورة البقرة ويقولون من حفظ سورة البقرة وآل عمران فقد جد فينا فكروا عنقاً واحداً، أي : جماعة واحدة، يعني : دفعة وهم يقولون : لبيك لبيك، وذلك قوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٢


الصفحة التالية
Icon