﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَه عَلَى رَسُولِهِ﴾ أي : رحمته التي تسكن بسببها القلوب وتطمئن إليها اطمئناناً كلياً مستتبعاً للنصر القريب، وأما مطلق السكينة فقد كانت حاصلة له عليه السلام قبل ذلك أيضاً.
﴿وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ شامل للمنهزمين وغيرهم فعاد المنهزمون وظفروا.
﴿وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا﴾ أي : بأبصاركم كما يرى بعضكم بعضاً، وهم الملائكة عليهم البياض على خيول بلق وكان يراهم الكفار دون المؤمنين، فنظر النبي عليه السلام إلى قتال المشركين فقال :"هذا حين حمى الوطيس" : والوطيس حجارة توقد العرب تحتها النار يشوون عليها اللحم وهو في الأصل التنور وهذه من الكلمات التي لم تسمع إلا منه صلى الله عليه وسلّم وحمي الوطيس كناية عن شدة الحرب ثم نزل عن بغلته وقيل لم ينزل بل قال :"يا عباس ناولني من الحصباء" أو انخفضت بغلته حتى كادت بطنها تمس الأرض ثم قبض قبضة من تراب فرمى به نحو المشركين وقال :"شاهت الوجوه" فلم يبق منهم أحد إلا امتلأت به عيناه ثم قال عليه السلام :"انهزموا ورب الكعبة" وهو أعظم من انقلاب العصا حية لأن ابتلاعها لحبالهم وعصيهم لم يقهر العدو ولم يشتت شمله بل زاد بعدها طغيانه وعتوه على موسى بخلاف هذا الحصى فإنه أهلك العدو وشتت شمله وكان من دعائه عليه السلام يومئذٍ "اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان" فقال له جبريل عليه السلام : لقد لقنت الكلمات التي لقنها الله موسى يوم فلق البحر.
واختلفوا في عدد الملائكة يومئذٍ فقيل خمسة آلاف وقيل ثمانية آلاف وقيل ستة عشر ألفاً.
وفي قتالهم أيضاً فقيل قاتلوا وقيل لم يقاتلوا إلا يوم بدر وإنما كان نزولهم لتقوية قلوب المؤمنين بإلقاء الخواطرالحسنة وتأييدهم
٤٠٧
بذلك وإلقاء الرعب في قلوب المشركين.
﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالقتل والأسر والسبي ﴿وَذَالِكَ﴾ أي : ما فعل بهم مما ذكر ﴿جَزَآءُ الْكَـافِرِينَ﴾ في الدنيا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٢
ولما هزم الله المشركين بوادي حنين ولوا مدبرين ونزلوا بأوطاس وبها عيالهم وأموالهم فبعث رسول الله رجلاً من الأشعريين، يقال له : أبو عامر وأمره على جيش إلى أوطاس فسار إليهم فاقتتلوا وهزم الله المشركين وسبى المسلمون عيالهم وهرب أميرهم مالك بن عوف فأتى الطائف وتحصن بها وأخذوا أهله وماله فيمن أخذ، وقتل أمير المؤمنين أبو عامر ثم إنه عليه السلام أتى الطائف فحاصرهم بقية ذلك الشهر فلما دخل ذو القعدة وهو شهر حرام انصرف عنهم فأتى الجعرانة وهو موضع بين مكة والطائف سمي المحل باسم امرأة وهي ريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة وهي المرادة في قوله تعالى :﴿كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا﴾ (النمل : ٩٢) فأحرم منها بعمرة بعد أن قام بها ثلاث عشرة ليلة وقال اعتمر منها سبعون نبياً وقسم بها غنائم حنين وأوطاس وكان السبي ستة آلاف رأس والإبل أربعة وعشرين ألفاً والغنم أكثر من أربعين وأربعة آلاف أوقية فضة وتألف أناساً فجعل يعطي الرجل الخمسين والمائة من الإبل ولما قسم ما بقي خص كل رجل أربع من الإبل وأربعون شاة فقال طائفة من الأنصار يا للعجب إن أسيافنا تقطر من دمائهم وغنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك النبي عليه السلام فجمعهم فقال :"يا معشر الأنصار ما هذا الذي بلغني عنكم" فقالوا هو الذي بلغك وكانوا لا يكذبون فقال :"ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي وكنتم أذلة فأعزكم الله بي وكنتم وكنتم أما ترضون أن ينقلب الناس بالشاء والإبل وتنقلبون برسول الله إلى بيوتكم" فقالوا بلى رضينا يا رسول الله والله ما قلنا ذلك إلا محبةولرسوله فقال صلى الله عليه وسلّم "إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٢


الصفحة التالية
Icon