والنوع الثالث : منهم الكفرة الذين ليسوا مجوساً ولا أهل كتاب ولا من مشركي العرب كعبدة الأوثان من الترك والهند ذهب أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله إلى جواز أخذ الجزية منهم لجواز اجتماع الدينين في غير جزيرة العرب وهم من غير العرب ومقدارها على الفقير المعتمل اثنا عشر درهماً في كل شهر درهم هذا إذا كان في أكثر الحول صحيحاً أما إذا كان في أكثره أو نصفه مريضاً فلا جزية عليه وعلى المتوسط الحال أربعة وعشرون درهماً في كل شهر درهمان وعلى الغني ثمانية وأربعون درهماً في كل شهر أربعة دراهم ولا شيء على فقير عاجز عن الكسب ولا على شيخ فاننٍ أو زمن أو مقعد أو أعمى أو صبي أو امرأة أو راهب لا يخالط الناس وإنما لم توضع عليهم الجزية لأن الجزية شرعت زجراً عن الكفر وحملاً له على الإسلام فيجري مجرى القتل فمن لا يعاقب بالقتل وهم هؤلاء لا يؤاخذ بالجزية لأن الجزية خلف من القتال وهم ليسوا بأهله فإذا حصل الزاجر في حق المقاتلة وهم الأصل انزجر التبع.
قال الحدادي : أما طعن الملحدة كيف يجوز إقدار الكفار على كفرهم بأداء الجزية بدلاً من الإسلام.
فالجواب إنه لا يجوز أن يكون أخذ الجزية منهم رضى بكفرهم وإنما الجزية عقوبة لهم على إقامتهم على الكفر وإذا جاز إمهالهم بغير الجزية للاستدعاء إلى الإيمان كان إمهالهم بالجزية أولى انتهى.
فعلى الولاة والمتسلمين أن لا يتعدوا ما حد الله تعالى في كتابه فإن الظلم لا يجوز مطلقاً ويعود وباله على الظالم بل يسري إلى غيره أيضاً وفي الحديث "خمس بخمس إذا أكل الربا كان الخسف والزلزلة، وإذا جار الحكام قحط المطر، وإذا ظهر الزنى كثر الموت، وإذا منعت الزكاة هلكت الماشية، وإذا تعدى على أهل الذمة كانت الدولة لهم" كذا في "الأسرار المحمدية" لابن فخر الدين الرومي.
وفي "المثنوي" :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٢
جمله دانند اين اكر تونكروى
هره مى كاريش روزى بدروى
يقول : الفقير رأينا من السنة الرابعة والتسعين بعد الألف إلى هذا الآن وهي السنة الأولى بعد المائة والألف من استيلاء الكفار على البلاد الرومية، وعلى البحر الأسود والأبيض ما لم يره أحد قبلنا ولا يدري أحد ماذا يكون غداً والأمر بيد الله تعالى وذلك بسبب الظلم
٤١٣
المفرط على أهل الإسلام وأهل الذمة الساكنين في تلك الديار فعاد الصغار، والذل من الكفار إلى المسلمين الكاذبين فصاروا هم صاغرين والعياذ بالله تعالى وليس الخبر كالمعاينة نسأل الله تعالى اللحوق بأهل الحق والدخول في الأرض المقدسة.
ثم إن مما حرم الله على أهل الحق الدنيا ومحبتها فإن حب الدنيا رأس كل خطيئة والكفار لما قصروا أنظارهم على الدنيا وأخذوها بدلاً من الآخرة وضعت عليهم الجزية وجزية النفس الأمارة معاملاتها على خلاف طبعها لتكون صاغرة ذليلة تحت أحكام الشرع وآداب الطريقة فلا بد من جهادها وتذليلها ليعود العز والدولة إلى طرف الروح.
وفي "المثنوي" :
آنه در فرعون بود اندر توهست
ليك ادرهات محبوس هست
آتشت هيزم فرعون نيست
زانكه ون فرعون اوراعون نيست
فهذه حال النفس فلا بد من قهرها إلى أن تفنى عن دعواها وإسناد العز إليها وعند ذلك تكون فانية مطمئنة مستسلمة لأمر الله منقادة مسخرة تحت حكمه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٢
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ يقرأ بالتنوين على أن عزير مبتدأ وابن خبره ولم يحذف التنوين إيذاناً بأن الأول مبتدأ وأن ما بعده خبره وليس بصفة (وعزير بن شرحيا ازنسل يعقوبست ازسبط لاوى وبهارده شت هارون بن عمران ميرسد) وهو قول قدمائهم ثم انقطع فحكى الله تعالى عنهم ذلك ولا عبرة بإنكار اليهود.