وفي "البحر" : وتذم طائفة أو تمدح بصدور ما يناسب ذلك من بعضهم.
روي أن بخت نصر البابلي لما ظهر على بني إسرائيل قتل علماءهم ولم يبق فيهم أحد يعرف التوراة وكان عزير إذ ذاك صغيراً فاستصغره فلم يقتله وذهب به إلى بابل مع جملة من أخذه من سبايا بني إسرائيل فلما نجا عزير من بابل ارتحل على حمار له حتى نزل بدير هرقل على شط دجلة فطاف في القرية فلم ير فيها أحداً وعامة شجرها حامل فأكل من الفاكهة واعتصر من العنب فشرب منه وجعل فضل الفاكهة في سلة وفضل العصير في زق فلما رأى خراب القرية وهلاكها، قال :﴿أَنَّى يُحْى هَـاذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ (البقرة : ٢٥٩) قالها تعجباً لا شكاً في البعث فألقى الله تعالى عليه النوم ونزع منه الروح وبقي ميتاً مائة عام وأمات حماره وعصيره وتينه عنده وأعمى الله تعالى عنه العيون فلم يره أحد ثم إنه تعالى أحياه بعدما أماته مائة سنة وأحيا حماره أيضاً فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس وأنكر هو أيضاً الناس ومنازله فتتبع أهله وقومه فوجد ابناً له شيخاً ابن مائة سنة وثماني عشرة سنة وبنو بنيه شيوخ فوجد من دونهم عجوزاً عمياء مقعدة أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم وقد كان خرج عزير عنهم هي بنت عشرين سنة، فقال لهم : أنا عيزر كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني قالت العجوز إن عزيراً كان مستجاب الدعوة يدعو للمريض وصاحب البلاء بالعافية فادع الله يرد إليّ بصري حتى أراك فإن كنت عزيراً عرفتك فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحت وأخذ بيدها وقال لها قومي بإذن الله تعالى فأطلق رجلها فقامت صحيحة فنظرت فقالت أشهد أنك عزير وقال ابنه كان لأبي شامة مثل الهلال بين كتفيه فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٤
قال السدي والكلبي : لما رجع عزير إلى قومه وقد أحرق بخت نصر التوراة
٤١٤
ولم يكن من الله عهد بين الخلق بكى عزير على التوراة فأتاه ملك بإناء فيه ماء فسقاه من ذلك الماء فمثلت التوراة في صدره، فقال : لبني إسرائيل، يا قوم إن الله بعثني إليكم لأجدد لكم توراتكم قالوا فأملها علينا فأملاها عليهم من ظهر قلبه ثم إن رجلاً قال إن أبي حدثني عن جدي أن التوراة جعلت في خابية ودفنت في كرم كذا فانطلقوا معه حتى أخرجوها فعارضوها بما كتب لهم عزير فلم يجدوه غادر منها حرفاً فقالوا إن الله تعالى لم يقذف التوراة في قلب رجل إلا إنه ابنه فعند ذلك قالت اليهود المتقدمون عزير ابن الله.
﴿وَقَالَتِ النَّصَـارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ هو أيضاً قول بعضهم، وإنما قالوه استحالة ؛ لأن يكون ولد بلا أب أو لأن يفعل ما فعله من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى من لم يكن إلهاً.
﴿ذَالِكَ﴾ إشارة إلى ما صدر عنهم من العظيمتين ﴿قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ أي : ليس فيه رهان ولا حجة وإنما هو قول بالفم فقط كالمهمل.
قال الحدادي : معناه إنهم لا يتجاوزون في هذا القول عن العبارة إلى المعنى : إذ لا برهان لهم لأنهم يعترفون أن الله لم يتخذ صاحبة فكيف يزعمون أن له ولداً.
﴿يُضَـاهِاُونَ﴾ أي يضاهي ويشابه قولهم في الكفر والشناعة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانقلب مرفوعاً.
﴿قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ﴾ أي : من قبلهم وهم المشركون الذين يقولون الملائكة بنات الله أو اللات والعزى بنات الله.
﴿قَـاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ دعاء عليهم جميعاً بالإهلاك فإن من قاتله الله هلك، فهو من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم لتعذر إرادة الحقيقة، ويجوز أن يكون تعجباً من شناعة قولهم من قطع النظر عن العلاقة المصحصة للانتقال من المعنى الأصلي إلى المعنى المراد.
﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ كيف يصرفون من الحق إلى الباطل والحال إنه لا سبيل إليه أصلاً والاستفهام بطريق التعجب.
﴿اتَّخَذُوا﴾ أي : اليهود ﴿أَحْبَارَهُمْ﴾ أي : علماءهم هم جمع حبر بالكسر وهو أفصح وسمي العالم حبراً لكثرة كتابته بالحبر أو لتحبره المعاني أو بالبيان الحسن وغلب في علماء اليهود من أولاد هارون.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٤