واصطلحوا على أن جعلوا ابتداء السنة الشمسية من حين حلول مركز الشمس نقطة رأس الحمل إلى عودها إلى تلك النقطة ؛ لأن الشمس إذا حلت هناك ظهر في النبات قوة ونشو ونماء وتغير الزمان من رثاثة الشتاء إلى نضارة الربيع واعتدل الزمان في كيفيتي الحر والبرد.
ولما كانت السنة عند العرب عبارة عن اثني عشر شهراً من الشهور القمرية، وكانت السنة القمرية أقل من السنة الشمسية بمقدار وبسبب ذلك النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل كان الحج والصوم والفطر يقع تارة في الصيف وأخرى في الشتاء.
ولما كانت عند سائر الطوائف عبارة عن مدة تدور فيها الشمس دورة تامة كانت أعيادهم وصومهم تقع في موسم واحد أبداً.
﴿عِندَ اللَّهِ﴾ أي في حكمه وهو ظرف لقوله : عدة.
﴿اثْنَا عَشَرَ﴾ خبر لأن ﴿شَهْرًا﴾ تمييز مؤكد كما في قولك عندي من الدنانير عشرون ديناراً.
﴿فِي كِتَـابِ اللَّهِ﴾ صفة لاثنا عشر والتقدير اثنا عشر شهراً مثبتة في كتابه وهو اللوح المحفوظ، وإنما قال : في كتاب الله لأن كثيراً من الأشياء توصف بأنها عند الله ولا يقال إنها في كتاب الله.
﴿يَوْمَ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ ظرف منصوب بما تعلق به قوله في كتاب الله، أي : مثبتة في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، أي : منذ خلق الأجرام اللطيفة والكثيفة، وإنما قال : ذلك لأن الله تعالى أجرى الشمس والقمر في السموات يوم خلق الله السموات والأرض فمبلغ عدد الشهور اثنا عشر من غير زيادة أولها المحرم وآخرها ذو الحجة وإنما خصت باثني عشر لأنهم كانوا ربما جعلوها ثلاثة عشر وذلك أنهم كانوا يؤخرون الحج في كل عامين من شهر إلى آخر ويجعلون الشهر الذي أنسؤوا فيه، أي : أخروا ملغى فتكون تلك السنة ثلاثة عشر شهراً ويكون العام الثاني على ما كان عليه
٤٢٠
الأول سوى أن الشهر الملغى في الأول لا يكون في العام الثاني وعلى هذا تمام الدورة فيستدير حجهم في كل خمس وعشرين سنة إلى الشهر الذي بدىء منه ولذا خرج الحساب من أيديهم وربما يحجون في بعض السنة في شهر ويحجون من قابل في غيره إلى أن كان العام الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فصادف حجهم ذا الحجة فوقف بعرفة يوم التاسع وأعلمهم بطلان النسيء كما سيجيء وهذه الشهور قد نظمها بعضهم بقوله :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٧
ون محرمبكذرد آيد بنزد توصفر
س ربيعيني وجمادين ورجب آيدببر
بازشعبا نست وماه صوم وعيد وذي القعد
بعد ازان ذي الحجة نام ماهها آيدبسر
أما المحرم : فسمي بذلك لأنهم كانوا يحرمون القتال فيه حتى أن أحدهم كان يظفر بقاتل أبيه أو ابنه فلا يكلمه ولا يتعرض له.
وأما صفر : فسمي بذلك لخلوهم من الطعام وخلو منازلهم من الزاد ولذلك كانوا يطلبون الميرة فيه ويرحلون لذلك يقال صفر السقاء إذا لم يكن فيه شيء والصفر الخالي من كل شيء كذا في "التبيان".
وقال في "شرح التقويم" سمي بذلك لخلوه عن التحريم الذي كان في المحرم.
وأما الربيعان : فسميا بذلك ؛ لأن العرب كانت تربع فيهما لكثرة الخصب فيهما.
والربيع عند العرب اثنان ربيع الشهور وربيع الأزمنة.
أما ربيع الشهور فهو شهران بعد صفر، أي ربيع الأول وربيع الآخر بتنوين ربيع على أن الأول صفته وكذا الآخر والإضافة غلط.
وأما ربيع الأزمنة فهو أيضاً اثنان البيع الأول وهو الذي تأتي في الكماة والنور ويسمونه ربيع الكلاء والربيع الثاني وهو الفصل الذي تدرك فيه الثمار فربيعا الشهور لا يقال فيهما الأشهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر ليمتازا عن الربيعين في الأزمنة.
وأما الجماديان : فسميا بذلك لأن الماء كان يجمد فيهما لشدة البرد فيهما كذا في "التبيان".
وقال في "شرح التقويم" : جمادى الأولى بضم الجيم وفتح الدال فعالى من الجمد بضم الجيم والميم وسكون الميم لغة فيه وهو المكان الصلب المرتفع الخشن، وإنما سمي بذلك لأن الزمان في أول وضع هذا الاسم كان حاراً والأمكنة في الصلابة والارتفاع والخشونة من تأثير الحرارة وجمادى الآخرة تالية للشهر المتقدم في المعنى المذكور.