وقال القاضي : هي بشارة وضمان لهم بالنصرة بسبب تقواهم فإن السلاح والدعاء لا ينفذان إلا بالتقوى على مراتبها فكلمة التقوى هي كلمة الشهادة وبها يقي المؤمن نفسه وماله وعياله من التعرض في الدنيا ومن العذاب في العقبى، ثم إنها إذا قارنت بشرائطها الظاهرة والباطنة يحصل تقوى القلب وهو التخلي عن الأوصاف الذميمة ثم يحصل تقوى السر وهو التخلي عما سوى الله فمن كانكان الله له بالنصرة والإمداد.
واعلم : أن السيف سيفان سيف ظاهر وهو سيف الجهاد الصوري وسيف باطن وهو سيف الجهاد المعنوي فبالأول تنقطع عروق الكفرة الظاهرة الباغية، وبالثاني عروق القوى الباطنة الطاغية والأول بيد مظهر الاسم الظاهر وهو السلطان وجنوده والثاني بيد مظهر الاسم الباطن وهو القطب وجنوده فنسأل الله تعالى أن ينصر سلطاننا بالاسم الممد والناصر والمعين ويخذل أعدائنا بالاسم المنتقم والقهار وذي الجلال.
وقد قال السعدي :
دعاى ضعيفان اميدوار
زبازوى مردى به آيد بكار
ففي الآية : حث على المجاهدة مع الأعداء وفي الحديث :"القتل في سبيل الله مَصْمَصَة" أي مطهرة غاسلة من الذنوب يقال مصمص الإناء إذا جعل فيه الماء وحركه ومضمضه كذلك عن الأصمعي كذا في "تاج المصادر" وفي الحديث :"إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف" يعني : كون المجاهد في القتال بحيث يعلوه سيوف الأعداء سبب للجنة حتى كأن أبوابها حاضرة معه أو المراد بالسيوف سيوف المجاهد هذا كناية عن الدنو من العدو في الضراب لأنه إذا دنا منه كان تحت ظل سيفه حين رفعه ليضربه وإنما ذكر السيوف لأنها أكثر سلاح العرب ومن التقوى الاحتراز عن الرياء والسمعة في حضور معارك الحروب ومحافل الدعاء.
قال خسرو الدهلوي :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٧
غازىء رسمي كه بغارت رود
هست و حاجى كه تجارت رود
آنكه غزا خواني وجويى رضا
كر غرضي هست نباشد غزا
رو بغزا دل غرض آلوده واى
جهد خوداست اين نه جهاد خداى
٤٢٤
والإشارة :﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ﴾ أي : قلوبكم وصفاتها وأرواحكم وصفاتها.
﴿كَمَا يُقَـاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً﴾ أي : النفوس وصفاتها جميعاً ومقاتلة النفوس بمخالفتها وردعها عن هواها وكسر صفاتها ومنعها عن شهواتها وشغلها بالطاعات والعبادات واستعمالها في المعاملات الروحانية والقلبية، وجملتها التزكية عن الأوصاف الذميمة والتحلية بالأخلاق الحميدة ثم قال :﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ وهم القلوب والأرواح المتقية عن الشرك يعني عن الالتفات لغير الله ولو لم يكن الله معهم بالنصر والتوفيق لما اتقوا وإنما اتقوا بالله عما سواه كذا في "التأويلات النجمية".
﴿إِنَّمَا النَّسِىاءُ﴾ مصدر نسأه، أي : أخره كمس مسيساً كانت العرب إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهراً آخر حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد.
قال الكاشفي :(آورده اندكه طباع أهل جاهليت بقتل وغرات مستأنس شده بود ودرمهاى حرام قتال نميكردند وون سه ماه متصل حرام بودبينك آمد كفتند ماسه ماه ى درى بى تاراج وغارت تحمل نداريم س قلمش كناني صورتي برانكيخت ودر موسم ندا كردوايستاده شد وخطبه خواندكه يا معشر العرب خداى شمارا درين محرم حلال كردانيد وحرمت اورا تأخير كردبماه صفر مردمان قول اورا قبول نمودندبازسل ديكر منادى فرمودكه خداى تعالى درين سال محرم را حرام ساخت وصفر راحلال كردوكاه بودي كه در اثناى محاربات ايشان حرام نوشتى حرمت اورا تأخير كردندى بما هي بعد ازواورا حلال داشتندى ودرهر سالى هارماه را حرام ميدانستند أما اختصاص أشهر حرم را فرو كذاشته مجرد عددرا اختيار كردند واعتبار داشتندى واين عمل را نسىء مى كفتند حق سبحانه وتعالى فرمود) ﴿إِنَّمَا النَّسِىاءُ﴾ أي : إنما تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر.
﴿زِيَادَةٌ﴾ (افزنيست)
٤٢٥
﴿فِى الْكُفْرِ﴾ لأنه تحليل ما حرمه الله وتحريم ما حلله فهو كفر آخر مضموم إلى كفرهم وبدعة زائدة على بدع سائر الكفار.
﴿يُضِلَّ﴾ على بناء المفعول من أضل ﴿بِهِ﴾ (بدين عمل) وهو النسيء ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ والمضل هو الله تعالى، أي : يخلق فيهم الضلال عند مباشرتهم لمباديه وأسبابه أو الرؤساء فالموصول عبارة عن الأتباع، أي الاتباع يضلون به بإضلال الرؤساء أو الشيطان فإنه مظهر الاسم المفضل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٧