يقول الفقير : سمعت من حضرة شيخنا العلامة أبقاه ـ ـ الله بالسلامة ـ ـ أن الشيطان والنفس والضلال أمر واحد في الحقيقة لكن الأول بحسب الشريعة والثاني بحسب الطريقة والثالث بحسب الحقيقة فلكل مقام تعبير لا يناسب تعبير المقام الآخر.
﴿يُحِلُّونَهُ﴾ أي الشهر المؤخر فالضمير إلى النسيء المدلول عليه بالنسيء.
﴿عَامًا﴾ من الأعوام ويحرمون مكانه شهراً آخر مما ليس بحرام.
﴿وَيُحَرِّمُونَهُ﴾ أي يحافظون على حرمته كما كانت والتعبير عن ذلك بالتحريم باعتبار إحلالهم له في العام الماضي.
﴿عَامًا﴾ آخر إذا لم يتعلق بتغييره غرض من أغراضهم ﴿لِّيُوَاطِـاُوا﴾ المواطأة عبارة عن الموافقة والاجتماع على حكم أي ليوافقوا.
قال الكاشفي :(تاموافق سازند وتمام كنند) ﴿عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ أي عدد ما حرمه من الأشهر الأربعة فإنهم كانوا يقولون الأشهر الحرم أربعة وقد حرمنا أربعة أشهر ﴿فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ أي يتوصلوا بهذه الحيلة إلى إحلال الشهر الذي حرمه الله بخصوصه من الأشهر المعينة فهم وإن راعوا أحد الواجبين وهو نفس العدد إلا إنهم تركوا الواجب الآخر وهو رعاية حكم خصوص الشهر.
﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُواءُ أَعْمَـالِهِمْ﴾ أي : جعل أعمالهم مشتهاة للطبع محبوبة للنفس والمزين هو الله تعالى في الحقيقة أو الشيطان أو النفس على تفاوت المراتب.
﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَـافِرِينَ﴾ هداية موصلة إلى المطلوب البتة وإنما يهديهم إلى ما يوصل إليه عند سلوكه وهم قد أعرضوا عنه بسوء اختيارهم فتاهوا في تيه الضلال (در ينابيع آورده كه جاهلان عرب در سالى هار ماه حرام ميداشتند وخلق را ازدست وزبان خود ايمن ميساختند مؤمنان مؤدب بدان سزاوا رترندكه درهمه ماهها مسلمانا نرا ازضرر خود سالم دارند وايذا وآار خلق بزبان ودست فروكذا ردنكه مجازات اضررا همان اضرارست ومكافات آزار آزار).
آزار دل خلق مجو بى سببي
تابر نكشند يا ربي نيمشبى
برمال وجمال خويشتن تكيه مكن
كانرا بشبى برند واين را به تبى
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٧
يقول الفقير سامحه الله القدير بلغت مسامحات الناس في هذا الزمان إلى حيث تساوت عندهم الأشهر الحرم وغيرها، أما ترى إليهم في شهر رمضان الذي جعله الله شهر هذه الأمة المرحومة وفضله على سائر الشهور كيف لا يبالون من ارتكاب المحرمات فيه، وأمسكوا عنها في النهار بسبب نوم أو غيره من الموانع البشرية وأكبوا عليها في الليالي، فوا أسفا على غربة هذا الدين وزوال أنوار اليقين، ومن الله التوفيق إلى الأعمال المرضية خصوصاً في الأوقات الفاضلة نهراً أو ليالي، ثم إن النسيء المذكور وقعت إليه الإشارة في قوله عليه السلام :"لا عدوى ولا هامة ولا صفر" أما العدوى : فهو اسم من الأعداء كالدعوى من الادعاء، وهو مجاوزة العلة من صاحبها
٤٢٦
إلى غيره وكانت العرب في الجاهلية تعتقد أن الأمراض تعدى بطبعها من غير اعتقاد تقدير الله لذلك.
فالمعنى ليس نفي سراية العلة فإن السراية والتعدية واقعة بل إضافتها إلى العلة من غير أن يكون ذلك بفعل الله تعالى، ويدل عليه قوله عليه السلام :"لا يورد ممرض على مصح" والممرض صاحب الإبل المريضة والمصحح صاحب الإبل الصحيحة، والمراد النهي عن إيراد الإبل المريضة على الصحيحة وهو من باب اجتناب الأسباب التي هي سبب البلاء إذا كان في عافية منه فكما أنه مأمور أن لا يلقي نفسه في الماء أو في النار أو يدخل تحت ما أشرف على الانهدام ونحوه مما جرت العادة بأنه يهلك أو يؤذي، فكذلك مأمور بالاجتناب عن مقاربة المريض كالمجزوم والقدوم على بلد الطاعون فإن هذه كلها أسباب المرض والتلف والله تعالى هو خالق الأسباب ومسبباتها، ففي الأمر بالاجتناب صيانة للمؤمن الضعيف يقينه لئلا يعتقد التأثير من الأسباب أي عند وقوع البلاء أو يعتقد أن السراية كانت بالطبع لا بقضاء الله تعالى وقدره، وأما إذا قوي التوكل على الله والإيمان بقضائه وقدره فتجوز مباشرة بعض هذه الأسباب كما ورد أن النبي عليه السلام أكل مع مجذوم وقال :"بسم الله ثقة بالله توكلت على الله" ونظيره ما روي عن خالد بن الوليد وعمر رضي الله عنهما من شرب السم وإنما لم يؤثر فيهما لأنهما إنما شرباه في مقام الحقيقة لا ببشريتهما، وإنما أثر في النبي عليه السلام بعد تنزله إلى حالة بشرية وذلك أن إرشاده عليه السلام كان في عالم التنزل غير أن تنزله كان من مرتبة الروح وهي أعدل المراتب ولم يؤثر فيه حتى مضى عليه اثنتا عشرة سنة فلما احتضر تنزل إلى أدنى المراتب لأن الموت إنما يجري على البشرية فلما تنزل إلى تلك المرتبة أثر فيه فليفهم هذا المقام فإنه من مزالق الأقدام.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٧