وفي "إنسان العيون" : وإنما قيل للجبل ذلك لأنه على صورة الثور الذي يحرث عليه.
وتحرير القصة إنه لما ابتلي المسلمون بأذى الكفار أذن صلى الله عليه وسلّم لهم في الهجرة وقال :"إني رأيت دار هجرتكم ذات نخيل بين لابتين" وهما الحرتان وقال :"إني لأرجو أن يؤذن لي في الهجرة إليها" فقال أبو بكر وهل ترجو ذلك بأبي أنت قال "نعم" فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه عند هجرته فلم يتخلف إلا هو وعليّ وصهيب ومن كان محبوساً أو مريضاً أو عاجزاً عن الخروج فابتاع أبو بكر بعد هذا المقال النبوي راحلتين بثمانمائة درهم فحبسهما في داره يعلفهما الخبط إعداداً لذلك، والخبط محركة ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق أو غيره ويعجن بالماء فتوجره الإبل أي تأكله فكانتا عنده قريباً من ثلاثة أشهر ؛ لأن الهجرة كانت في ذي الحجة ومهاجرته عليه السلام كانت في ربيع الأول، ولما رأت قريش قوة أمر رسول الله حيث بايعه الأوس والخزرج وصار له أنصار في القبائل والأقطار خافوا من أن يخرج ويجمع الناس على حربهم وقد وقعوا فيما خافوا منه ولو كان بعد حين ونعم ما قيل :"إذا أدبر الأمر كان العطب في الحيلة.
فاجتمعوا في دار الندوة ليتشاوروا في أمره عليه السلام ودار الندوة هي أول دار بنيت بمكة كانت منزل قصي بن كلاب وكانت جهة الحجر عند مقام الحنفي الآن، وكان لها باب للمسجد، وقيل لها دار الندوة لاجتماع الندوة وهي الجماعة فيها، وكان ذلك اليوم يسمي يوم الزحمة لأنه اجتمع فيه أشراف بني عبد شمس وبني نوفل وبني عبد الدار وبني أسد وبني مخزوم وغيرهم ممن لا يعد من قريش ولم يتخلف من أهل الرأي والحجى أحد وكانت مشاورتهم في يوم السبت فقد سئل صلى الله عليه وسلّم عن يوم السبت فقال :"يوم مكر وخديعة" قالوا ولِمَ يا رسول الله قال :"إن قريشاً أرادوا أن يمكروا فيه" وجاء إليهم إبليس في صورة شيخ نجدي وقال أنا من أهل نجد وإنما قال ذلك لأن قريشاً قالوا لا يدخلن معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة لأن هواهم كان مع محمد فعند ذلك قالوا هو من أهل نجد لا من مكة فلا يضركم حضوره معكم وعند المشورة قال بعضهم بالحبس وبعضهم بالنفي كما بين في تفسير قوله تعالى :﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ (الأنفال : ٣٠) في سورة الأنفال فمنعه إبليس واتفقت آراؤهم على قول أبي جهل وهو أن يخرجوا إليه من كل قبيلة من قريش شاباً جليداً، أي : قوياً بسيف صارم ويقتلوه فيفرق دمه في القبائل بحيث لا يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً فيرضون بالدية واستحسن الشيخ النجدي هذا الرأي وتفرقوا عن تراض فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتاه جبريل فأخبره بمكر قريش وأمره بمفارقة مضجعه تلك الليلة فلما علم ما يكون منهم قال لعلي رضي الله عنه "نم على فراشي واتشح بردائي هذا الحضرمي فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم" وكان عليه السلام يشهد العيدين في ذلك الرداء وكان طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعين وشبراً وهل كان أخضر أو أحمر يدل للثاني قول جابر رضي الله عنه، كان يلبس رداء أحمر في العيدين والجمعة".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢٨
وفي "سيرة الحافظ الدمياطي" : وارتد بردائي هذا الأحمر والحضرمي منسوب إلى حضرموت التي هي القبيلة أو البلدة باليمن كان عليه السلام يتسجى بذلك البرد عند نومه وإنما أمر علياً رضي الله عنه
٤٣١
أن يضطجع على فراشه ليمنعهم سواد عليّ عن طلبه حتى يبلغ هو وصاحبه إلى ما أمر الله أن يبلغا إليه فلما مضى عتمة من الليل، أي الثلث الأول منه اجتمعوا على باب رسول الله وكانوا مائة فجعلوا يتطلعون من شق الباب ويرصدون متى ينام فيثبون عليه فيقتلونه فخرج عليه السلام عليهم وهم ببابه وقرأ قوله تعالى :﴿يسا * وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ﴾ (يس : ١، ٢) إلى قوله :﴿فَأَغْشَيْنَـاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ (يس : ٩) فأخذ الله أبصارهم عنه عليه السلام فلم يبصروه حتى خرج من بينهم.
وعن النبي عليه السلام أنه ذكر في فضل يس أنها "إذا قرأها خائف أمن، أو جائع شبع، أو عار كسي أو عاطش سقي أو سقيم شفي" وعند خروجه عليه السلام أخذ حفنة من تراب فذرها عليهم فأتاهم آت فقال : ما تنتظرون؟ قالوا : محمداً، قال قد خيبكم الله والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك رجلاً منكم إلا وضع على رأسه تراباً، وانطلق لحاجته فما ترون ما بكم فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب فدخلوا على عليّ، فقالوا له يا علي أين محمد؟ فقال : لا أدري أي ذهب وكان قد انطلق إلى بيت أبي بكر بإشارة جبرائيل عليه السلام فلما دخل عليه قال :"قد أذن لي في الخروج" فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله بأبي أنت، أي أسألك الصحبة قال :"نعم" فبكى أبو بكر سروراً ولله در القائل :
ورد الكتاب من الحبيب بأنه
سيزورني فاستعبرت أجفاني
هجم السرور عليّ حتى إنه
من فرط ما قد سرني أبكاني
يا عين صار الدمع عندك عادة
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢٨


الصفحة التالية
Icon