تبكين من فرح ومن أحزان قال أبو بكر فخذ بأبي أنت إحدى راحلتي هاتين فإني أعددتهما للخروج فقال عليه السلام :"نعم بالثمن" وذلك لتكون هجرته عليه السلام إلى الله بنفسه وماله وإلا فقد أنفق أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله أكثر ماله.
فعن عائشة رضي الله عنها أربعين ألف درهم.
وفي رواية أربعين ألف دينار وهي الناقة القصوى أو الجدعاء وقد عاشت بعده عليه السلام وماتت في خلافة أبي بكر وأما ناقته عليه السلام العضباء فقد جاء أن ابنته فاطمة رضي الله عنها تحشر عليها ثم استأجر رسول الله وأبو بكر رجلاً من بني الدئل وهو عبد الله بن أريقط ليدلهما على الطريق للمدينة وكان على دين قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار جبل ثور بعد ثلاث ليال أن يأتي بالراحلتين صباح الليلة الثالثة فمكث عليه السلام في بيت أبي بكر إلى الليلة القابلة فخرجا إلى طرف الغار وجعل أبو بكر يمشي مرة أمام النبي ومرة خلفه فسأله رسول الله عن ذلك فقال يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك لأكون فداءك فمشى عليه السلام ليلته على أطراف أصابعه، أي لئلا يظهر أثر رجليه على الأرض حتى حفيت رجلاه فلما رآهما أبو بكر قد حفيتا حمله على كاهله وجعل يشتد به حتى أتى فم الغار فأنزله وفي رواية كانت قدما رسول الله قد قطرتا دماً ويشبه أن يكون ذلك من خشونة الجبل وإلا فبعد المكان لا يحتمل ذلك ولعلهم ضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه قوله : فمشى ليلته أو أنه عليه السلام ذهب إلى جبل حنين فناداه اهبط عني فإني حنين أن تقتل على ظهري فأعذب فناداه جبل ثور إلي يا رسول الله وكان الغار معروفاً بالهوام فلما أراد رسول الله دخوله قال له أبو بكر : مكانك يا رسول حتى استبرىء الغار فدخل واستبرأه وجعل يسد الحجرة بثيابه خشية
٤٣٢
أن يخرج منها شيء يؤذيه أي رسول الله فبقي جحر وكان فيه حية فوضع رضي الله عنه عقبه عليه ثم دخل رسول الله فجعلت تلك الحية تلسعه وصارت دموعه تتحدر فتفل رسول الله على محل اللدغة فذهب ما يجده وقال بعضهم والسر في اتخاذ رافضة العجم اللباد المفضض على رؤوسهم تعظيماً للحية التي لدغت أبا بكر في الغار وذلك لأنهم يزعمون أن ذلك على صورة تلك الحية ولما دخل رسول الله وأبو بكر الغار أمر الله شجرة وهي التي يقال لها القتاد وقيل أم غيلان فنبتت في وجه الغار فسترته بفروعها ويقال إنه عليه السلام دعا تلك الليلة الشجرة وكانت أمام الغار فأقبلت حتى وقفت على باب الغار وإنها كانت مثل قامة الإنسان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢٨
وقال الحدادي : وكان عليه السلام مر على ثمامة وهي شجرة صغيرة ضعيفة فأمر أبا بكر أن يأخذها معه فلما صار إلى باب الغار أمره أن يجعلها على باب الغار وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بين فروعها نسجاً متراكماً بعضه على بعض كنسج أربع سنين كما قال في القصيدة البردية.
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على
خير البرية لم تنسج ولم تحم
أي : ظنوا أن الحمام ما وكر وما باض على باب الغار الذي فيه خير البرية وظنوا أن العنكبوت لم تنسج ولم تحم أي لم تطف من حام حوله أي طاف ودار فهو من قبيل علفتها تبناً وماء بارداً.
وقال المولى الجامي :
شد دوسه تارى كه عنكبوت تنيد
بر دران غار برده دار محمد
وقد نسج العنكبوت أيضاً على نبي الله داود عليه السلام لما طلبه جالوت.
ونسج أيضاً على عورة سيدنا زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب وهو أخو الإمام محمد الباقر وعم جعفر الصادق وقد كان يوسف بن عمر الثقفي أمير العراقين من قبل هشام بن عبد الملك صلبه عرياناً للخروج عليه وذلك في سنة ست وعشرين ومائة وأقام مصلوباً أربع سنين وقيل خمس سنين فلم تر عورته، وقيل بطنه الشريف ارتخى على عورته فغطاها ولا مانع من وجود الأمرين وكانوا عند صلبه وجهوه إلى غير القبلة فدارت خشبته التي عليها إلى أن صار وجهه إلى القبلة ثم أحرقوا خشبته وجسده رضي الله عنه قال العلماء ويكفي للعنكبوت شرفاً نسجها على الغار ونهى النبي عليه السلام يومئذٍ عن قتل العنكبوت وقال :"إنها جند من جنود الله تعالى".
قال في "المثنوي" :
جمله ذرات زمين وآسمان
لشكر حقنده كاه امتحان
وأما قوله عليه السلام :"العنكبوت شيطان فاقتلوه" وفي لفظ :"العنكبوت شيطان مسخه الله فاقتلوه" فإن صح فلعله صدر قبل وقعة الغار فهو منسوخ.
وعن علي "طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيوت يورث الفقر هذا لا يقدح في شرفها".