وذكر في "حياة الحيوان" : أن ما تنسجه العنكبوت يخرج من خارج جلدها لا من جوفها.
ومن خواصها أنها إذا وضع نسجها على الجراحة الطرية في ظاهر البدن حفظها بلا ورم ويقطع سيلان الدم إذ وضع عليه والعنكبوت التي تنسج على الكنيف إذا علقت على المحموم يبرأ قاله ابن زهير.
وأمر الله تعالى حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار وباضتا وبارك عليه السلام على الحمامتين وانحدرتا في الحرم وهل حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين أو لا ففيه اختلاف والظاهر أنه ليس من نسلهما لأنه
٤٣٣
روي في قصة نوح عليه السلام أنه بعث الحمامة من السفينة لتأتيه بخبر الأرض ووقعت بوادي الحرم فإذا الماء قد نضب من موضع الكعبة وكانت طينتها حمراء فاختضبت رجلها ثم جاءته فمسح عنقها وطوّقها طوقاً ووهب لها الحمرة في رجليها وأسكنها الحرم ودعا لها بالبركة.
وذكر أن حمام مكة أظلته عليه السلام يوم فتحها فدعا لها بالبركة.
وكان المسيح عليه السلام يقول لأصحابه إن استطعتم أن تكونوا بلهاً في الله مثل الحمام فافعلوا وكان يقال إنه ليس شيء أبله من الحمام إنك تأخذ فرخه من تحته فتذبحه ثم يعود إلى مكانه ذلك فيفرخ فيه ومن طبعه أنه يطلب وكره ولو أرسل من ألف فرسخ يحمل الأخبار ويأتي بها من المسافة البعيدة في المدة القريبة كما قال في "المغرب" الحمام بأرض العراق والشام تشترى بأثمام غالية وترسل من الغايات البعيدة بكتب الأخبار فتؤديها وتعود بالأجوبة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢٨
قال الجاحظ : لولا الحمام لما عرف بالبصرة ما حدث بالكوفة في بياض يوم واحد وإليه الإشارة في أشعار البلغاء.
كما قال المولى جلال الدين قدس سره في "المثنوي" :
رقعه كر بر رّ مرغى دوختي
رّ مرغ ازتفّ رقعه سوختى
قال السلطان سليم الأول، يعني : فاتح مصر :
مرغ شم من كه روازش بجز سوى تونيست
بسته ام از اشك صد جانامه شوقش ببال
وقال في "حياة الحيوان" اتخاذ الحمام للبيض والفراخ وللأنس ولحمل الكتب جائز بلا كراهة وأما اللعب بها والتطيهر والمسابقة فقيل يجوز لأنه يحتاج إليها في الحرب لنقل الأخبار والأصح كراهيته فإن قامر بالحمام ردت شهادته.
ولما فقد المشركون رسول الله شق عليهم ذلك وخافوا وطلبوه بمكة أعلاها وأسفلها وبعثوا القافة، أي الذين يقفون الأثر في كل وجه ليقفوا أثره فوجد الذي ذهب إلى جبل ثور وهو علقمة بن كرز أسلم عام الفتح أثره انتهى إلى الغار فقال ههنا : انقطع الأثر ولا أدري أخذ يميناً أم شمالاً أم صعد الجبل وكان عليه السلام شثن الكفين والقدمين يقال شثنت كفه شثناً وشثونة خشنت وغلظت فهو شثن الأصابع بالفتح كذا في "القاموس" فأقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وسيوفهم فلما انتهوا إلى فم الغار قال قائل منهم ادخلوا الغار فقال أمية بن خلف وما أر بكم أي : حاجتكم إلى الغار إن عليه لعنكبوتاً كان قبل ميلاد محمد ولو دخل لما نسج ذلك العنكبوت وتكسر البيض وعند ما حاموا حول الغار حزن أبو بكر رضي الله عنه خوفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما قال تعالى :﴿إِذْ يَقُولُ﴾ بدل ثاننٍ أو ظرف ثان والقائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿لِصَـاحِبِهِ﴾ وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولذلك قالوا من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر لإنكاره كلام الله تعالى وكذا الروافض إذا كانوا يسبون الشيخين، أي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويلعنونهما يكفرون وإذا كانوا يفضلون علياً عليهما يكونون مبتدعين والمبتدع صاحب الكبيرة والبدعة الكبيرة كما في "هدية المهديين" وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لجماعة أيكم يقرأ سورة التوبة قال رجل : أنا أقرأ فلما بلغ إلى قوله :﴿إِذْ يَقُولُ لِصَـاحِبِهِ﴾ الآية بكى رضي الله عنه وقال أنا والله صاحبه ﴿لا تَحْزَنْ﴾ ولم يقل لا تخف لأن حزنه على رسول الله يغفله عن حزنه
٤٣٤
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢٨