على نفسه، وهذا النهي تأنيس وتبشير له كما في قوله تعالى له عليه السلام :﴿وَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ﴾ (يونس : ٦٥) وبه يرد ما زعمته الرافضة أن ذلك كان غضباً من أبي بكر وذماً له لأن حزنه إن كان طاعة فالنبي عليه السلام لا ينهى عن الطاعة فلم يبق إلا أنه معصية كذا في "إنسان العيون" ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ بالعون والعصمة والمراد بالمعية الولاية التي لا تحوم حولها شائبة من الحزن وما هو المشهور من اختصاص مع بالمتبوع فالمراد ما فيه المتبوعية في الأمر المباشر وتأمل الفرق بين قوله عليه السلام :﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ وبين قول موسى عليه السلام ﴿إِنَّ مَعِىَ رَبِّى﴾ كيف تجده دقيقاً والله الهادي.
روي أن المشركين لما طلعوا فوق الغار وعلوا على رؤوسهما أشفق أبو بكر على رسول الله عليه السلام فقال عليه السلام :"ما ظنك باثنين الله ثالثهما" فأعماهم الله عن الغار فجعلوا يترددون حوله فلم يروه وذكر أن أبا بكر لما قال للنبي عليه السلام لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا قال له النبي عليه السلام :"لو جاؤونا من ههنا لذهبنا من ههنا" فنظر الصديق إلى الغار فإذا هو قد انفرج من الجانب الآخر وإذا البحر قد اتصل به وسفينة مشدودة إلى جانبه.
قال ابن كثير، هذا ليس بمنكر من حيث القدرة العظيمة.
وفي الآية : دلالة عل علو طبقة الصديق وسابقة صحبته وهو ثاني رسول الله في عالم الأرواح حين خرج من العدم وثانيه حين خرج مهاجراً وثانيه في الغار وثانيه في الخلافة وثانيه في القبر بعد وفاته وثانيه في انشقاق الأرض عنه يوم البعث وثانيه في دخول الجنة كما قال عليه السلام :"أما إنك يا أبا بكر أول من دخل الجنة من أمتي" وقال أيضاً :"ألا أبشرك" قال بلى بأبي أنت وأمي قال :"إن الله عز وجل يتجلى للخلائق يوم القيامة ويتجلى لك خاصة" وروي أن أبا بكر عطش في الغار فقال عليه السلام :"اذهب إلى صدر الغار فاشرب فانطلق أبو بكر إلى صدر الغار فوجد ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأذكى رائحة من المسك فشرب منه فقال عليه السلام :"إن الله أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن يخرق نهراً من جنة الفردوس إلى صدر الغار لتشرب يا أبا بكر" قال أبو بكر يا رسول الله ولي عند الله هذه المنزلة فقال عليه السلام :"نعم وأفضل والذي بعثني بالحق نبياً لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان عمله عمل سبعين نبياً" ﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾ أمنته التي تسكن عندها القلوب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢٨
وقال الكاشفي :(رحمت خودراكه سبب آرامش است) ﴿عَلَيْهِ﴾ أي : على النبي عليه السلام فالمراد بها ما لا يحوم حوله شائبة الخوف أصلاً أو على صاحبه وهو الأظهر إذ هو المنزعج وكان رسول الله ساكناً وعلى طمأنينة من أمره وإليه أشار الشيخ فريد الدين العطار قدس سره :
خواجه اول كه اول يار اوست
ثاني اثنين إذ هما في الغار اوست
ون سكينه شد زحق منزل برو
كشت مشكلهاى عالم حل برو
وقال سعدي لبى المفتي في "حواشيه" : بل الأول هو الأظهر المناسب للمقام وإنزال السكينة لا يلزم أن يكون لرفع الانزعاج بل قد يكون لدفعه كما سبق في قصة حنين والفاء للتعقيب الذكرى انتهى.
وفي مصحف حفصة :﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَه عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ﴾ أي قوّى النبي عليه السلام ﴿بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾ وهم الملائكة النازلون يوم بدر والأحزاب وحنين ليعينوه على العدو
٤٣٥
والجملة معطوفة على نصره الله.
﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى﴾ يعني : جعل الله الشرك مقهوراً مغلوباً أبداً إلى يوم القيامة أودعوتهم إلى الكفر.
يعني (دعوت كفرراكه ازايشان صادر مى شد خوار وبيمقدار ساخت) ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ﴾ أي : التوحيد أو الدعوة إلى الإسلام وهي بالرفع على الابتداء ﴿هِىَ﴾ ضمير فصل لدفع توهم أنه قد يفوق غير كلمة الله ﴿الْعُلْيَا﴾ إلى يوم القيامة وهو خبر المبتدأ وجعل الله ذلك بأن أخرج رسوله من بين الكفر.
وقرأ يعقوب كلمة الله بالنصب عطفاً عل كلمة الذين هو ضعيف لأنه يشعر بأن كلمة الله كانت سفلى ثم صارت عليا وليس كذلك بل هي عالية في نفسها أبداً.
وفي "مناظرات المكي" لو قال أحد وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله وقطع ولم يقل وكلمة الله هي العليا كان كافراً إن كان عمداً ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ﴾ (وخداى تعالى عاليست عزيز كند اهل توحيدرا) ﴿حَكِيمٌ﴾ في أمره وتدبيره وحكمه.
قال الكاشفي :(داناست خوارساز داهل كفررا ومقصودازايراد قصه غاردراثناى امر بغزوه تبوك آنست كه اكرشما أي كارهان جهاديارى نكنيد يغمبرا مرا من اورا يارى كنم نانه درآن محل كه با او يك كس بيش نبود تمام صناديد قريش بقصد او برخواسته بودند من اورا يارى كردم وازميان دشمنانش بسلامت بيرون آوردم س مفتاح نصرت بقبضه منست.
وما النصر إلا من عند الله) :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢٨
يا رى از من و نه ازخيل وساه
راز بامن كوى نه بامير وشاه