قال في "زبدة التفاسير" : عن أنس رضي الله عنه إن أبا طلحة رضي الله عنه قرأ سورة براءة فأتى على هذه الآية ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا﴾ فقال : أي بني جهزوني فقال بنوه رحمك الله قد غزوت مع النبي عليه السلام حتى مات ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حتى ماتا فنحن نغزو عنك فقال لا جهزوني فغزا بحراً فمات في البحر فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه فيها ولم يتغير.
يقول الفقير : وذلك لأن أجساد الأنبياء والأولياء والشهداء لا تبلى ولا تتغير لما أن الله تعالى قد نقى أبدانهم من العفونة الموجبة للتفسخ وبركة الروح المقدس إلى البدن كالأكسير، ثم إن الناس صنفان أرباب رخصة وأصحاب عزيمة ولله در أصحاب العزيمة في مسابقتهم ومسارعتهم فعليك بطريقتهم وسيرتهم.
وهذه الآية الكريمة متعلقة بمرتبة النفس وإصلاحها فإن النفس مجبولة على حب المال وفي بذله تزكيتها عن هذه الرذيلة، فمن علم أن الغنى والفقر من الله تعالى وآمن بالقدر إيمانياً عيانياً هان عليه البذل ولم يبق عنده مقدار للمال كما أن من علم أن الموت بالأجل وأن المرء لا يموت قبل حلول ذلك الأجل لا يفر من محاربة العدو وحفظ المال وإمساكه إنما يحسن لأجل الإنفاق وقت الحاجة وإلا فكنزه مذموم (كو يندكه نافع مولاى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كه اسناد امام شافعي بوددروقت مردن كفت اين جايكه را بكنيد بكندند بيست هزار درم درسبويى بديد آمد كفت آنكاه كه ازجنازه من باز آمده باشيد بدرويش دهيد اوراكفتند يا شيخ ون توكسى درم نهد كفت بحق اين وقت تنك كه زكاة وى بركردن من نيست وهر كزعيالان خودرا بسختى نداشتم لكن هركاه كه مرا آرزويى بودمى آنه بدان آرزو بايستى دادن درسبو افكندمى تا كر مرا سختى يش آيد بدر سفله نبايد رفتن) كذا في "شرح الشهاب".
وفي هذه الحكاية أمور : الأول : إن من كان إماماً للناس ومقتدى في الدين لا ينبغي له أن يدخر ويكنز المال طمعاً وحرصاً لأن الناس على دين ملوكهم وقد قيل :(شيخ ون مائل بمال آيد مريداو مباش مائل دينار هركز مالك ديدار نيست)، والثاني : إن من غلبت عليه شهوته فمنع طبيعته عن مقتضاها بإمساك ماله عن الصرف لها رجاء بذله لخير منه فقد جاهد مع نفسه وطبيعته أما مع نفسه فلأنه ما كتم المال لأجل الكنز بل لأجل البذل لأنفع شيء في وقت مّا.
وأما مع طبيعته فلأنه منعها من مقتضاها وراضها ومثل هذا هو الجهاد الأكبر.
والثالث : إن عرض الاحتياج على اللئيم ملوم مذموم شرعاً وطريقة ولذا من جاع
٤٣٩
واحتاج فكتمه عن الناس وأقبل إلى الله تعالى كان على الله أن يفتح له رزق سنة والشكاية من الحبيب إلى الحبيب عين التوحيد وإلى غيره شرك تعلق به الوعيد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٧


الصفحة التالية
Icon