فعلى العاقل أن يختار طريق أصحاب الصفة فإنهم كانوا مع الحق وفي معاونته دائماً ببذل أموالهم إن منحوا وأنفسهم إن منعوا لأن ما لا يترك كله فكل مأمور بمقدار طاقته وليست الطاعة إلا بقدر الطاقة هذا هو اللائح بالبال، والله أعلم بحقيقة الحال نسأل الله سبحانه إن يوفقنا لبذل المجهود وترك ملاحظة المفقود ويوصلنا إلى جنابه إنه هو المروم والمقصود.
﴿لَّوْ كَانَ﴾ (آورده اندكه ون حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلّم مردمانرا بغزوه تبوك أشارت فرمود ايشان سه فرقه شدند.
جمعي مسارعت نمودند وفرمانرا بسمع اطاعت شنودندو آن اكابر مهاجرين وأنصار بودند.
وبعضي ضعفاء مؤمنا نراكران آمد فرمان خدا وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم برهواى نفس اختيار كردند.
وبرخى دستورى اقامت وتخلف طلبيدند وآنها منافقان بودند ودرشان ايشان نازل شدكه) لو كان يا محمد ما دعوتهم إليه فاسم كان محذوف دل عليه ما قبله.
﴿عَرَضًا قَرِيبًا﴾ العرض ما عرض لك من نافع الدنيا أي غنماً سهل المأخذ قريب المنال.
﴿وَسَفَرًا قَاصِدًا﴾ ذا قصد وتوسط بين القريب والبعيد ففاعل بمعنى ذي قصد كلابن وتامر بمعنى ذي لبن وذي تمر وسمي السفر سفراً لأنه يسفر أي يكشف عن أخلاق الرجال ﴿اتَّبَعُوكَ﴾ في الخروج طمعاً في المال وتعليق الاتباع بكلا الأمرين يدل على عدم تحققه عند توسط السفر فقط ﴿وَلَـاكِنا بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾ أي المسافة الشاقة التي تقطع بمشقة.
﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ﴾ السين للاستقبال أي سيحلف المتخلفون عن الغزو إذا رجعتم إليهم من غزوة تبوك وقد صنع كما أخبر فهو من جملة المعجزات النبوية.
﴿لَوِ اسْتَطَعْنَا﴾ أي : قائلين لو كان لنا استطاعة من جهة العدة أو من جهة الصحة أو من جهتهما جميعاً ﴿لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ﴾ أي : إلى الغزاة، فقوله (بالله) متعلق بسيحلفون.
وقوله (لخرجنا) ساد مسد جوابي القسم والشرط جميعاً ؛ لأن قولهم لو استطعنا في قوة بالله لو استطعنا فيكون بالله قسماً.
﴿يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ بدل من سيحلفون لأن الحلف الكاذب إهلاك للنفس ولذلك قال عليه الصلاة والسلام "اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع" جمع بلقع وبلقعة وهي الأرض القفر التي لا شيء بها والمرأة البلقعة الخالية من الخير يعني من حلف عمداً كذباً لأجل الدنيا وزيادة المال وبقاء الجاه فقد تعرض لزوال ما في يده من المال والجاه وبزواله يفتقر وتخرب داره من البركة وفي الحديث :"اليمين الكاذبة منفقة للسلعة" أي سبب لنفاقها ورواجها في ظن الحالف "ممحقة للكسب" أي : سبب لمحق بركة المكسوب وذهابها إما بتلف يلحقه في ماله أو بإنفاقه في غير ما يعود نفعه إليه في العاجل أو ثوابه في الآجل أو بقي عنده وحرم نفعه أو ورثه من لا يحمده.
﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَـاذِبُونَ﴾ أي : في مضمون الشرطية وفيما ادعوا ضمناً من انتفاء تحقيق المقدم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا.
﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ لام لم ولام لهم متعلقتان بالإذن لاختلافهما في المعنى فإن الأولى للتعليل والثانية للتبليغ والضمير المجرور لجميع المستأذنين أي لأي سبب أذنت لهم في التخلف حين اعتلوا بعللهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٧
واعلم أن قوله تعالى :﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا اتَّبَعُوكَ﴾ (الفتح : ٢) وقوله لم أذنت لهم ما كان على وجه العتاب حقيقة بل كان على إظهار لطفه به وكمال رأفته في حقه كما في "التأويلات النجمية".
قال سفيان بن عيينة : انظروا إلى هذا اللطف بدأ بالعفو قبل ذكر المعفو ولقد أخطأ وأساء الأدب وبئسما فعل فيما قال وكتب من زعم أن الكلام كناية عن الجناية وأن معناه أخطأت وبئسما فعلت كما في "الإرشاد".
ويجوز أن يكون إنشاء كما قال الكاشفي في "تفسيره" ﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ﴾ أي : فيما أخبروا به عند الاعتذار من عدم الاستطاعة من جهة المال أو من جهة البدن أو من جهتهما معاً.
﴿وَتَعْلَمَ الْكَـاذِبِينَ﴾ في ذلك فتعامل كلاً من الفريقين بما يستحقه وهو بيان لذلك الأولى والأفضل، و(حتى) متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام تقديره لم سارعت إلى الأذن لهم وهلا أخرتهم وتأنيث إلى أن يتبين الأمر وينجلي أو ليتبين كما هو قضية الجزم فحتى بمعنى إلى أو بمعنى اللام ولا يجوز أن يتعلق بأذنت لأن ذلك يوجب أن يكون أذن لهم إلى هذه الغاية أو لأجل التبين وهذا لا يعاتب عليه.
واعلم أن الآية الأولى أشارت إلى أن من كان مطلوبه الدنيا وزينتها يجد له مساعداً ومصاحباً كثيراً ومن كان مطلوبه الحق والوصول إليه لا يجد له مرافقاً وموافقاً إلا أقل من القليل لصعوبة الانقطاع عن الحظوظ والأماني.
وفي "المثنوي" :
حفت الجنة بمكروهاتنا
حفت النيران من شهواتنا