جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢
وفي "البحر" : قد كان في هذه الغزوة منافقون كثير ولهم لا شك خبال فلو خرج هؤلاء لالتأموا فزاد الخبال انتهى ﴿وَلاوْضَعُوا خِلَـالَكُمْ﴾ أي لسعوا بينكم وأسرعوا بإلقاء ما يهيج العداوة أو ما يؤدي إلى الانهزام، والإيضاع تهييج المركوب وحمله على الإسراع من قولهم وضع البعير وضعاً إذا أسرع وأوضعته أنا إذا حملته على الإسراع.
والمعنى لأوضعوا ركائبهم بينكم على حذف المفعول، والمراد به المبالغة في الإسراع بالنمائم لأن الراكب أسرع من الماشي، والخلال جمع خلل وهو الفرجة بين الشيئين وهو بمعنى بينكم منصوب على أنه ظرف أوضعوا.
﴿يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ﴾ حال من فاعل أوضعوا، أي حال كونهم باغين أي طالبين الفتنة لكم وهي افتراق الكلمة ﴿وَفِيكُمْ﴾ (ودرميان شما) ﴿سَمَّـاعُونَ لَهُمْ﴾ أي : نمامون يسمعون حديثكم لأجل نقله إليهم فاللام للتعليل أوفيكم قوم ضعفة يسمعون للمنافقين أي يطيعونهم فاللام لتقوية العمل لكون العامل فرعاً كقوله تعالى :﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ (هود : ١٠٧) ﴿وَاللَّهُ عَلِيمُا بِالظَّـالِمِينَ﴾ علماً محيطاً بضمائرهم وظواهرهم وما فعلوا فيما مضى وما يأتي منهم فيما سيأتي وهو شامل للفريقين السماعين والقاعدين.
﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا﴾ أي : طلب هؤلاء المنافقون ﴿الْفِتْنَةِ﴾ تشتيت شملك وتفريق أصحابك عنك ﴿مِن قَبْلُ﴾ أي قبل غزوة تبوك يعني يوم أحد فإن أبياً انصرف يوم أحد مع ثلاثمائة من أصحابه وبقي النبي عليه السلام مع سبعمائة من خلص المؤمنين، وقد تخلف بمن معه عن تبوك أيضاً بعد ما خرج النبي عليه السلام إلى ذي جدة أسفل من ثنية الوداع، وكذا ابتغوا الفتنة في حرب الخندق حيث قالوا يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا، وفي ليلة العقبة أيضاً حيث ألقوا شيئاً بين قوائم ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالليل حتى تنفر وتلقى النبي عليه السلام عن ظهرها، وأيضاً وقف اثنا عشر رجلاً من المنافقين على ثنية الوداع ليلة العقبة ليفتكوا به عليه السلام فأخبره الله بذلك وسلمه منهم، والفتك : أن يأتي الرجل صاحبه وهو غارّ غافل حتى يشد عليه فيقتله.
﴿وَقَلَّبُوا لَكَ الامُورَ﴾ تقليب الأمر تصريفه من وجه إلى وجه وترديده لأجل التدبير والاجتهاد في المكر والحيلة يقال للرجل المتصرف في وجوه الحيل حول قلب، أي اجتهدوا ودبروا لك الحيل والمكايد ورددوا الآراء في إبطال أمرك.
﴿حَتَّى جَآءَ الْحَقُّ﴾ أي : النصر والتأييد الإلهي.
﴿وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ غلب دينه وعلا شرفه ﴿وَهُمْ كَـارِهُونَ﴾ والحال إنهم كارهون لذلك أي على رغم منهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢
وقال الكاشفي :(وايشان ناخواها نند نصرت ودولت ترا اما ون خداى تعالى مى خواهد كراهت ايشانرا اثرى نيست).
ون ترا اندر حريم قرب خودره داده شاه
ازنفير رده دار وطعن دربان غم مخور
٤٤٣
انظر إلى ما في هذه الآيات من تقبيح حال المنافقين وتسلية رسول الله والمؤمنين وبيان كون العاقبة للمتقين ولن يزال الناس مختلطاً مخلصهم بمنافقهم من ذلك الوقت إلى هذا الحين لكن من كان له نية صادقة صالحة يختار فراق أهل الهوى والرياء أجمعين ؛ لأن صحبة غير الجنس لا تزيد إلا تشويشاً وتفرقة في باب الدين وكسلاً في عزيمة أهل اليقين فاجهد أن لا ترى الأضداد ولا تجاورهم فكيف أن تعاشرهم وتخالطهم يا مسكين.
وفي "المثنوي" :
ون ببندى توسر كوزه تهى
درميان حوض وياجوئي نهىتاقيامت او فرو نايد ببست
كه دلش خاليست دروى بادهست
ميل بادش ون سوى بالابود
ظرف خودرا هم سوى بالا كشد
باز آن جانهاكه جنس انبياست
سوى ايشان كش كشان ون سايه هاست
جان هانان جاذب قبطى شده
جان موى جاذب سبطى شدهمعده خركه كشد در اجتذاب
معده آدم جذوب كندم آب
ثم في قوله تعالى :﴿وَلاوْضَعُوا خِلَـالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّـاعُونَ لَهُمْ﴾ ذم للنمام والنميمة وهي كشف ما يكره كشفه يقال إن ثلث عذاب القبر من النميمة.
قال عبد الله بن المبارك ولد الزنى لا يكتم الحديث.


الصفحة التالية
Icon